انطلقت فكرة الثورة الصناعية الرابعة من ألمانيا العام 2011م من خلال زيادة القدرة التنافسية في الصناعات التحويلية، وجاء منتدى دافوس لهذا العام ليؤكد على واقعية تلك الفكرة وأنها في طريقها للتحقق، لتعود ألمانيا مرة أخرى هذا العام 2016 لتطلق بوادر الثورة الصناعية الرابعة عمليًا في معرض هانوفر الصناعي، حيث عرضت شركة ألمانية فكرة لتحويل بقايا السلاح الكيماوي السوري إلى ملح للطعام. ما تُبشر به الثورة الصناعية الرابعة أقرب للخيال منه للواقع، فجعل الآلة أكثر ذكاءً مسألة يمكن فهمها لكن أن يستطع بيتك معرفة ما تريد فيشعل التكييف إذا شعرت بالحر ويطفئ الأضواء وقت نومك، وأن تستطيع الآلة إصلاح نفسها بنفسها، وغير ذلك من ذكاء اصطناعي مما يصعب قبوله بسهولة؛ لكن ما تحقق من معجزات يجعل تلك الأفكار عن الثورة الصناعية الرابعة مقبولا وربما متوقعا. وقد نجح اليابانيون في تصنيع روبوت يستطع الاختيار بين مجموعة من البدائل والقبول أو الرفض بأي منها بإرادة كاملة دون تدخل الإنسان. بدأت الثورة الصناعية الأولى وانتهت ولم نعلم بوقوعها فضلًا عن أن نشارك فيها أو نستفيد منها. فقد بدأ العالم في إحلال الآلة محل العمل اليدوي بشكل جزئي، والاستفادة من طاقة الماء والفحم الحجري والبخار ثم بعد ذلك الكهرباء وظهرت أسس معظم النظم والقوانين والصناعات، كل ذلك ونحن قابعون في غياهب الظلام والجهل تحكمنا الفوضى. ثم بدأت الثورة الصناعية الثانية التي توسعت فيها الصناعات الثقيلة وصهر الحديد بكميات كبيرة بتكلفة منخفضة، وظهرت الصناعات القائمة على العلم التي قللت الاستعانة باليد العاملة وتحسن الإنتاج كمّا ونوعا، وظهرت نظم الحياة الحديثة باختراع التلغراف والهاتف وانتشار الأخبار بسرعة وسهولة؛ وحتى هذه الثورة لم ندرك منها إلا أواخرها بشكل محدود جدا في جانب الاستخدام فقط. وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الثورة الصناعية الثالثة وهي ما يعرف بعصر الديجتال، وفيها تحسنت الصناعات القديمة واكتشفت صناعات حديثة، وانخفضت تكلفة التصنيع كثيرا جدا، وأصبح من الممكن ابتكار أشكال وألوان كثيرة جدا لم يكن من الممكن صناعتها من قبل؛ ونحن الآن نعيش مستخدمين على أطرافها هذه الثورة، وربما أننا مستخدمون جيدون لها في الصناعات البترولية والتحويلية المرتبطة بالبترول، لكننا لسنا فاعلين فيما يتعلق بالابتكار والتطوير. وها هو العالم يتحدث عن نقلة مذهلة في الثورة الصناعية الرابعة ونحن على مشارفها نعلن رؤيتنا للمستقبل ونتطلع لأن نكون أكثر تأثيرا وفاعلية في العالم وأن نشاركه صناعة المستقبل لا أن نقف على هامش ذلك المستقبل ننتظر ما يقدمه لنا العالم، ويتحكم في حياتنا كما هو حاصل الأن. حسام زواوي الشاب السعودي الذي أحدث ثورة في كشف الجراثيم المقاومة للمضادات، واختارته مجلة التايم الأمريكية ضمن القادة السبعة للجيل القادم، كما حصل على جائزة رولاكس العالمية للمشاريع الطموحة والتي تسهم في تحسين حياة البشرية، وعلقت جامعته الأسترالية صورته على لوحة في الشارع تكريما له وكتبت تحتها "حسام يصنع التغيير"، وحسام ليس الوحيد من الشباب السعودي الطموح الذين صنعوا التغيير في جامعات العالم بل هن وهم كُثر. وهذا يؤكد أن القدرات الإبداعية للشباب السعودي كبيرة وأنهم قادرون صناعة التغيير إذا أُتيحت لهم الظروف لصناعة ذلك التغيير. الثورة في التعليم وليس مجرد التطوير أو التغيير هو سبيلنا لدخول الثورة الصناعية الرابعة، ونحن قادرون على إحداث تلك الثورة في تعليمنا إذا تخلينا عن نمطيتنا في التفكير للتخطيط التعليمي، والنظر لاحتياجاتنا من التعليم في المستقبل بحيادية بعيدا عن العاطفة والثوابت غير الحقيقية التي أعاقت تقدمنا لسنوات طويلة؛ على أن يشمل التغير المناهج أولا ورفع كفاءة المعلم ثانيا، وتغيير طرق التدريس التقليدية جذريا، وتحسين بيئة التعليم وتطوير أنظمته؛ هذا في جانب التعليم العام. أما التعليم العالي فيجب خفض نسبة المقبولين في الجامعات برفع شروط القبول للوصول إلى أفضل المستويات للطالب الجامعي بحيث توازي أو تقارب شروط الابتعاث، وتوجيه بقية الطلاب إما إلى الكليات التقنية والمهنية أو إلى سوق العمل. ورفع جودة التعليم الجامعي باستقطاب الكفاءات العلمية داخليا وخارجيا، والتوسع في البحث العلمي كمًّا ونوعًا، داخل الجامعات وفي المراكز البحثية وخارجها، وزيادة الاستثمار في المنح الدراسية النوعية وتحديد الابتعاث بها. مالم تحدث الثورة في التعليم فإن الثورة الصناعية الرابعة ستلتهم ثقافتنا واقتصادنا، والحديث عن تطوير وتحسين وإصلاح التعليم لم يعد مجديا بل ثبت فشله في السنوات السابقة، والمليارات التي أنفقت على تحسين التعليم لم تغير فيه سوى الشكل أما المضمون فإنه لم يتغير. @abdulkhalig_ali [email protected]