تحت عنوان ( #كيف_واجهت_السعودية_القاعدة ) عرضت قناة “العربية” على مدى ثلاث حلقات فيلماً وثائقياً عن الحرب التي شنتها الحكومة السعودية على القاعدة بداية من العام 2003م حتى أخرجتها من الأراضي السعودية. والفيلم مليء بالوثائق المصورة المهمة والأحداث التي تُعلن لأول مرة، وهو بكل المقاييس وثيقة تاريخية مهمة جداً. وسيحظى بدراسة المختصين وتعليقات المهتمين بالإرهاب، وسيظل صداه في الإعلام لفترة طويلة من الزمن لأهميته ولما احتواه من كم كبير من المعلومات والحقائق التي تستحق البحث والدراسة. طوال الأيام الثلاثة التي عُرض خلالها الفيلم كنت أتابعة غير مصدق ما تراه عيناي، خصوصاً الفيدوهات التي صورها أعضاء القاعدة لتحركاتهم وحياتهم، فأنا أعتبر نفسي من العارفين بهم وممن تعرف عليهم عن قُرب ونقاشهم مباشرة أو عبر الإنترنت، وعرفت عنهم الكثير جداً، لكن بعض ما شاهدته في الفيلم فاجأني وأصابني بصدمه حقيقية. كثيرة هي النقاط التي تستحق النقاش والتعليق، لكن في هذا المقال سأتحدث عن مسألتين مهمتين أرى لهما الأولوية عن غيرهما لأنهما برأيي كانتا السبب في الانتصار الذي حققته السعودية على القاعدة وستحققه على الإرهاب في نهاية المطاف بإذن الله. المسألة الأولى شجاعة وإخلاص رجال الأمن وتطور قدراتهم طوال فترة المواجهة، فالمتتبع للأحداث يلاحظ أن القاعدة كانت في بداية المواجهات تمتلك زمام المبادرة والتحرك والتنقل بشكل سريع بين المواقع التي تستهدفها، وصُنع المفاجأة لرجال الأمن بتحركاتهم، لكن تعلم رجال الأمن كان سريعاً جدا، من خلال تحليل الأدلة في مواقع الهجوم ودراسة تحركات أعضاء القاعدة وأساليبهم، انتقلت المبادرة من القاعدة لرجال الأمن خلال فترة وجيزة من الزمن، لتنالا بعدها ضربات الأمن الاستباقية للتنظيم الذي لم يجد أعضاؤه بسبب تلك التضربات السريعة والمتوالية سوى إحدى طرقٍ ثلاث، إما القتل أو الاعتقال أو الخروج من السعودية. والدليل على قوة ضربات الأمن الاستباقية كثرة من سلموا أنفسهم من أعضاء التنظيم للأمن طواعية، رغبة في الاستفادة من العفو أو معاملة خاصة، وهو ما حصل عليه بعضهم فعلاً بواسطة مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة. أبرز الفيلم بالأدلة المصورة التي لا تقبل الشك الحجم المهول للحرب التي خاضها رجال الأمن الأشاوس ضد التنظيم المجرم، وكيف كانوا يتفانون في تقديم أرواحهم في سبيل حماية الدين والوطن. وأجزم أن الكثيرين من السعوديين لم يكونوا يُدركون شراسة المعركة التي خاضها الأمن ضد القاعدة حتى وقت إعلان هذا الفيلم. وهذا يفسر الحقد الذي يظهر في تصريحات الجماعات الإرهابية ضد السعودية ورجال أمنها، لذلك وجه تنظيم داعش ضرباته الطائشة وغير المنظمة لرجال الأمن مباشرة، ولم يستطيعوا الوصول إليهم إلا بغدرهم بقرابتهم أو وقت صلاتهم. أما المسألة الثانية فهي برأيي كانت السبب الرئيسي لهزيمة القاعدة في السعودية وإضعافهم في بقية المواقع خارج السعودية، وهو ما اعترف به التنظيم في أحد أفلامه المنشورة على النت وعُرض في الفيلم الوثائقي وهو ما عبروا عنه بقولهم ” أن الجهاد لم يُخذل في جبهة من الجبهات كما خُذل في جزيرة العرب ” ودلالة هذا الكلام واضحة جداً، أن القاعدة خصوصاً والإرهاب عموماً لم يكن له حاضنة شعبية بين أبناء المملكة العربية السعودية، وأن قادة القاعدة كانوا يتوقعون النُصرة من الشعب السعودي، لكنهم خُذلوا على حد تعبيرهم. فقد كانت القاعدة تتوقع أن تحركها العسكري في السعودية سوف يُحرك بعض فئات المجتمع ضد الحكومة لسبب أو لآخر كما حصل في كل الدول العربية والإسلامية التي دخولها، لكن ما حدث أن ذلك التحرك العسكري بدل أن يزيد من شعبيتهم بين السعوديين انقلب إلى سخط واضح عليهم وعلى فكرهم وتوجههم الإرهابي، وقد ظهر ذلك جليلاً خلال الفيلم في المشهد العفوي بتجمهر الناس عند أحد مواقع التنظيم بجدة للاحتفال بانتصار قوات الأمن الخاصة على أعضاء القاعدة الذين كانوا متحصنين فيه، في مشهد حماسي عاطفي ومؤثر جدا، علق عليه أحد رجال الأمن بقوله ” أن كل كان في الموقع من رجال الأمن شعروا بالفخر والحماس “. والحقيقية أنه لو كان للقاعدة أدنى حاضنة شعبية في السعودية بما تمثله من مساحات شاسعة وتنوع عرقي ومناطقي ومذهبي لكان من المستحيل إخراجهم والانتصار عليهم. وذلك الانتصار على القاعدة في السعودية كان السبب الرئيسي في إضعاف التنظيم في كل المواقع التي يتواجدون فيها، حتى قتل أسامة بن لادن في العام 2011م. والسبب أن القاعدة بعد الحادي عشر من سبتمبر ركزت كل قوتها في الهجوم على السعودية لإضعاف النظام فيها، وأنه في حال سقط النظام السعودي أو ضعف فسوف تتهاوى وتسقط بقية الدول العربية، كما قال ذلك صراحة أحد أعضاء القاعدة البارزين في السعودية في نقاش حاد بيننا. حفظ الله السعودية حكومة ورجال أمن ومواطنين من كل سوء. تويتر @abdulkhalig_ali