بالأمس كان من اليسير لمن يرغب إكمال دراسته الجامعية في مملكتنا الحبيبة أن يحقق حلمه دون عناء، كلّ ما كان عليه أن يقوم به هو أن ينهي اختباراته الثانوية بتقدير يتوافق مع متطلبات القبول الجامعي، إلا أن ما أحدثته موجة التصنيفات العارمة التي اكتسحت تعليمنا الجامعي، والشكاوى الناجمة عن عدم رضا المستفيدين في سوق العمل من أداء الموظفين على أرض الواقع، أفرز مطالبات ملّحة بتحسين مخرجات التعليم المدرسي والجامعي، وهو ما قاد لتأسيس المركز الوطني للقياس والتقويم بالمملكة والذي أدرج العديد من الاختبارات لقياس وتقييم مخرجات التعليم في المرحلتين، المصيبة الكبرى أن تعليمنا المدرسي لم يواكب في أجندة طرائقه التدريسية وبيئاته التعليمية ومنهجه ما تنامى من حراك في التعليم على مستوى عالمي، فالكثير من الطلبة ما زالوا يتخرجون من المدرسة دون أدنى كسب أو فهم للتعلم، وعليه فإن المعايير الأخرى التي تتوالى لتقيس استعدادهم للقبول الجامعي من اختبارات للقدرات والتحصيل تسقطهم بالتناوب من قوائم القبول في التعليم العالي، ليستيقظوا على صفعة مدويّة لم يتوقعوها تعلنهم على قارعة الطريق دون مستقبل واضح، والعديد أيضاً ممن تجاوزوا تلك الاختبارات يتلقون صفعة أخرى مفادها قبولهم بكليات لم تكن مطلقاً ضمن أجندة طموحاتهم، الحقيقة المؤلمة أن تلك الصفعة التي يتلقاها الطلبة لا تصيبهم وحدهم، بل تعاني من آثارها آلاف الأسر التي كانت ترى أبنائهم يتفوقون بكافة مراحلهم الدراسية، فهل خذلهم هؤلاء الأبناء؟ أم خذلهم التعليم بمدارسنا؟ لم يكن بالإمكان أن تقف بعض الأسر مكتوفة الأيدي بعد أن أحالت تلك الاختبارات وتعليمنا المتأرجح أحلام أبنائهم قشّة في مهب الريح، لذلك نعم تعلقّوا وبكل قوة بمكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -رحمه الله- للدارسين على حسابهم الخاص، والتي كانت بمثابة طوق النجاة الذي امتد لهم من بعيد لينتشل أبنائهم من الضياع بعد أن أعيتهم الحيل، فتسارع العديد منهم لإلحاق أبنائهم وبناتهم على حسابه الخاص بجامعات عربية وأجنبية باذلين كل غال ورخيص بانتظار انضمامهم للبعثة كما كان يفترض، وتكلّفوا أيضاً تكاليف تذاكر وإقامة أبنائهم في المناطق التي حضروا بها لقاءات وزارة التعليم العالي (آنذاك) للدارسين على حسابهم الخاص استعداداً لضمّهم للبعثة، ولكن ما حدث في مسألة الابتعاث بعد ما جاء من قرارات لوزير التعليم الجديد (بعد ضم وزارتي التعليم)، لهو كارثة حقيقية وليست أمراً اعتيادياً، فلا أظن تبعات ما يجري من إيقاف للبعثة للدارسين على حسابهم الخاص وتطبيقها على (مَن بدؤوا بالفعل دراستهم قبل صدور القرار الجديد) فائدة لأي كان، بل خسائر لا بعدها خسائر تجر على هؤلاء الطلبة وأسرهم الذين استشعروا الخذلان والتخلي عنهم وهم في بلاد الغربة. الدارسون السعوديون ممن بدؤوا الدراسة على حسابهم الخاص قبل عام أو أكثر بكافة دول العالم، هم أبناء هذا الوطن الذين ارتأوا عدم اليأس من تحقق فرصهم بالتعلم، هم أجيال الغد المشرق الذي كانت وما زالت تعلّق المملكة عليهم الآمال، هم خاتمة من أوصى بهم ملكنا الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه جنّات النعيم، لذلك لا ينبغي مطلقاً أن تسحب وزارة التعليم يدَها من تعليمهم كأنهم لم يكونوا يوماً في حسبانها، فالقرارات الجديدة يا معالي وزير التعليم لا يفترض أن تأتي لتطبّق على حساب طلبة دارسين وضياع مستقبلهم التعليمي والوظيفي مهما كانت خاتمتها المنتظرة من وجهة نظركم.