استبشر الآلاف من الطامحين في الرفع من قدراتهم والحصول على الدرجات العلمية الرفيعة ببرامج عدد من الجامعات المحلية في القبول لمراحل الدراسات العليا في برامج التعليم الموازي، وتبعا لهذا الأمر أغلقت عدد من مكاتب الجامعات العالمية (الوهمية) أبوابها بعد أن تكسبت سنوات من رغبة البعض في الحصول على درجات علمية رفيعة، وبين إحجام الجامعات المحلية من القبول إلا في نسب ضيقة وضئيلة مكنت أعداد صغيرة جدا وحرمت الآلاف..! لكن يبدو أن سوق تلك المكاتب التي تبيع الشهادات الوهمية سيعود بقوة أكبر خلال الفترة المقبلة، خاصة أن ثمة هوة سحيقة جدا تحول بين الشباب وبين القبول في الجامعات وتحقيق أحلامهم، وهذه الهوة السحيقة والتي قل من يتخطاها ويتجاوزها، بحيث تعيده لنقطة الصفر تتمثل في المركز الوطني للقياس والتقويم (قياس) من خلال اختباراته المتنوعة والتي يثق كل الطلاب المتقدمين لها أو المعلمين الباحثين عن التوظيف في أنها لاتهدف إلا لشيء واحد فقط وهو الربح المادي..!! فبدلا من أن يهتم المركز بدعم الحركة العلمية في البلد وتطوير قدرات الشباب والرفع من مؤهلاتهم من خلال مداخيله العالية، نراه يقف حجر عثرة كؤود في طريق حصولهم على الشهادات العلمية العليا، دون أن يقتنع أي (مجبر) على دخول إحدى اختباراته بأهميته وجدواه..! فطالب يتقدم لدرجة البكالوريوس في اللغة العربية أو الثقافة الإسلامية أو التربية، ما الحاجة إلى (إجباره) على دخول اختبار كفايات اللغة الانجليزية..!؟ وليت الأمر اقتصر على عملية (قياس) فعلية لقدرات المتقدمين، بل هي عملية أشبه ماتكون بالتحدي والتعجيز للطلاب، بدليل أن حاصلين على بكالوريوس في اللغة الانجليزية أخفقوا فيها مرات ومرات.. فما بالك بمن لم يتعامل مع اللغة الانجليزية مطلقا؟. والأمر ذاته ينسحب على اختبار القدرات العامة للجامعيين، فمن الظلم أن تختبر (قدرات) شخص في مهارات ومقررات لم يدرسها يوما ما، فالمعادلات الرياضية والحسابية والمنطقية التي يتضمنها اختبار القدرات العامة ويجبر طالب تخرج من كليات الشريعة أو أصول الدين أو اللغة العربية أو الاجتماع وعلم النفس على دخولها، فإن هذا يعتبر ظلما لمجهوداته التي بذلها في دراسته الجامعية ثم يطالب باختبار قدرات مصيري في أمور لم يدرسها ولم يتعامل معها قبل التقديم لميدان التعليم أو مواصلة دراساته العليا!. ويبدو أن الملايين الضخمة التي جناها ويجنيها المركز الوطني للقياس والتقويم من طلاب المرحلة الثانوية أغرتهم بتعميم التجربة على خريجي المرحلة الجامعية، والطامحين في مواصلة دراستهم العليا، ولو أن هذه الملايين تذهب في سبيل تطوير سبل التعليم وتقنياته وآلياته، لقلنا أن الشاب عليه أن يستشعر أن هذه المبالغ هي مساهمة لابأس من دفعها (تقديرا) لمجانية السنوات التي درسها، لكن المؤلم أن هذه الاختبارات في ظلمها لكثيرين (بتقييمهم) في مقررات لم يدرسوها إنما تسهم في هدم مستقبل كثيرين وحرمانهم من حقوقهم التي اكتسوبها طيلة سنوات دراساتهم والتي جاوزت 16 عاما. إن (العراقيل) التي تنصبها بعض الجامعات بمعاونة من (قياس) في سبيل حصول (الطامحين) على شهادات عليا، إنما توجه بوصلة تفكير شبابنا بسهولة نحو أماكن أخرى، بعضها يبيع الشهادات علنا، وبعضها الآخر يبالغ في استحصال رسوم مالية جامعاتنا أولى بها، مع أن تلك الجامعات لم تفرق بين الطلاب المتقدمين للدراسات العليا، ولم تراع (إنقطاع) أعداد كبيرة منهم عن تعلم بعض المواد طيلة دراستهم الجامعية مثل اللغة الانجليزية والرياضيات والفيزياء، وهي أساسية ومطلوبة في اختبار القبول للدراسات العليا للجامعات التي تطبق نظام التعليم الموازي والذي تصل كلفته إلى أكثر من ثمانين ألف ريال للبرنامج في بعض الجامعات، والمنطق يفترض أن تكون هناك اختبارات (قدرات) حسب التخصصات نظرية كانت أو علمية، مع عدم اشتراط اختبار اللغة الانجليزية لخريجي تخصصات لم يدرسوها، أو لن تتطلبها دراستهم المقبلة. وأخيرا، لا أعتقد أن وزارة التعليم العالي يسرها أن تعود (دكاكين) بيع الشهادات، وبهدف الحيلولة دون عودتها والذي قاتلت الوزارة سنوات لوأدها، أرى أنه من الواجب مراجعة ودراسة و(تقييم) إجبار الراغبين في مواصلة دراساتهم العليا باختبارات القياس والتقويم التعجيزية، وقصر هذه الاختبارات حسب التخصص والاتجاه الدراسي. تركي بن منصور التركي