لا تزال تنهالُ علينا مقاطعُ التحرش الواحدة تلو الأخرى، وما خفي منها _ والله أعلم _ أعظم، وتباينت من خلالها الآراء، فمنهم من التزم الحياد بعدم إظهار رأيه علانية، ومنهم من لم يُرِح سبابته التي تشير بالجرم للفتيات، طارحاً الأسباب والمسببات، ومنهم مَن لام الاثنين معاً، وآخرون دعوا بالصلاح والنضج للمتحرشين، مع مطالبة الفتيات بأن يَقرن في بيوتهن! أما عني _ وأعتقد أن هناك فئة كثيرة مثلي إلى الآن متأثرة_ وتعابير وجهي استقرت بالاندهاش، ويتدفق من أخمص قدمي إلى أعلى رأسي غضب ممزوج بحزنٍ وخذلان! إلى أين سنذهب، وإلى أين سنصل ؟! مقاطع التحرش في ازدياد، وأصوات المفاخرة بها حادة، وبعض سهام المجتمع موجعة، فلِمَ يا أنثى خُلقتي؟! إن كنتِ ممن يؤمن بنقصان عقل الأنثى، وقلة حيلتها، ومعرفتها، وكأن القلم رُفع عنها، لماذا تصب جام غضبك عليها، وتترك كامل العقل بلا حساب أو حتى عتاب ولو صغير؟! بل سخّرت كل كلمة بلسانك ويدك، ورجمت بها الأنثى، وطبطبت على الجاني لأنه لم يستطع أن يغض بصره، ويكبح لجام غرائزه، ويتصرف برجولة، في موقف وضع نفسه فيه في خانة الفاقدين لعقولهم لا الناقصين!، وأعطيته الأمان ليعرف كيف يصوغ مبرراً ناجحاً وفعالاً لتبرير تحرشه. هي بلدنا مثلما هي بلدكم، من حقنا أن نفعل ما نشاء دون مراقبة العيون، ودون ملاحقتكم لنا بأسئلتكم، ماذا يفعلن؟ لماذا خرجن وحدهن؟ أو ظلمنا بالنوايا التي هي أساساً تعكس واقعكم المريض، فخروجنا من منزلنا لا يحتاج إلى تبرير، ولماذا ندافع أساساً ونبين لكم الأسباب ؟! المريض وحده مَن يحتاج إلى علاج، وليس علينا إدخالُ الناس إلى المستشفى ليعالج المريض خارجها!، ولا ننسى أن لكل قاعدة شواذ، ومن المحبط والمؤلم استخدام التعميم بسبب قلة من أفراد المجتمع _ سواء للفتيات أو الذكور _ ليظلم من خلالها الجميع. نحتاج إلى العودة لأصولنا، إلى أيامٍ كان فيها الطفلُ رجلاً، والفتاة امرأةً راجحة العقل ولا أقصد معرفتها بنفسها، بل أنتم من تُأكدون وتؤمنون بذلك يقيناً، ونحتاج إلى عودة لملمتنا كالعائلة الواحدة، نأمن فيها على أنفسنا جميعاً، ليس عند من نعرف أو جيراننا فقط، بل عند جميع أهل البلد دون أن نعرف مَن هم، أو ما هي أصولهم، نحتاج أيضاً إلى قوانين تجبر ضعاف النفوس رغما عنهم على عُرفنا، وقبلها ديننا الصالح لكل زمان ومكان الذي نظّم لكل فرد حقه وواجباته، ونحتاج إلى تعليمهم أيضاً، أن التي تراها تقضي حاجتها أمامك، خرجت لإيمانها بأنها في بلد أمن وأمان، وأن خروجها ليس دعوةً منها للتحرش، بل هي الحياة يا من نسيت أن المجتمع مكون من أُنثى ورجل، وكُفّو عن إلقاء اللوم على الإناث فقط، فرجولتكم قد أصابها من الخدوش الكثير.