في فجر أحد الأيام، تشرع إحدى الجرافات في قطع الأشجار في غابة كثيفة في مكان ما في آسيا، ويزعج صوتها الصاخب خفاشًا فيهرب بعيدًا عن مصدر الإزعاج، ويحمل في فمه ثمرة موز، لكنها تسقط منه أثناء طيرانه، ليلتقطها حيوان بري يسد بها جوعه. بعد ذلك، يتم توجيه ذلك الحيوان إلى مطعم في ماكاو، الصين، حيث يتم إعداده للطهي على يد الشيف الذي ينهمك لاحقًا مع أحد العملاء ويستقبله بحرارة ويصافح يده، وبذلك يصبح المريض صفر (Patient Zero)، أول شخص مصاب بفيروس جديد فتاك، ناتج عن الدمج التلقائي للجينات من الخفاش إلى الحيوان إلى البشر. وفي غضون أسابيع، يصيب الفيروس نصف العالم ويموت 25 مليون شخص، بمن فيهم المريض صفر (Patient Zero)، وفي غضون ذلك يتم إرسال الرئيس الأمريكي إلى مخبأ سري تحت الأرض. هل تبدو الأحداث مألوفة لك؟ هذا الوباء العالمي كان مادة فيلم الخيال العلمي Contagion عام 2011، لكنه أيضًا يتشابه مما نعيشه الآن مع فيروس كورونا الجديد. والأحداث المثيرة للقلق الذي بدأت من الصين تشير إلى أن هذا المخطط قد يكون قريبًا بشكل غير مريح من الحقيقة. خفاش واحد تسبب في أزمة عالمية: رواية ووهان للفيروس القاتل وضعت 56 مليون شخص في 18 مدينة قيد الإغلاق وإجراءات الطوارئ، وتسببت في أزمة صحية في جميع أنحاء العالم، وهذا كله قد يعود إلى وجود خفاش واحد عاش في كهف في الغابات الخصبة لمقاطعة هوبي بوسط الصين. ويعتقد العلماء أن المخلوق، وهو بالكاد بحجم يد رجل بالغ، قد تناول وجبة تتألف من ثعبان سام للغاية، وبعد ذلك تم اصطياده وإحضاره إلى سوق الحيوانات الحية الضخم في مدينة ووهان، حيث تجتمع جميع الزواحف جنبًا إلى جنب مع أشبال الذئاب والحمير والغرير والقنافذ والخنازير والإبل وحتى الكوالا. واختارت إحدى الأسر تعيسة الحظ هذا الخفاش دونًا عن أي حيوان آخر، وطهته فيما يُعرف باسم حساء الخفافيش بكريمة الطهي، وبعد ذلك أصبح العالم فجأة مكانًا أكثر خطورة. ولا يزال العلماء يكتشفون تمامًا كيف ظهر فيروس كورونا ووهان، لكن هذا النموذج من انتقال العدوى، من الخفافيش إلى طاولة الطعام، يدعمه أستاذان صينيان في علم الأحياء المجهرية وعلم الوراثة الجزيئية في جامعة بيتسبرغ. الخفافيش تحمل 60 فيروسًا يصيب البشر: خفاش ويُظهر التحليل الوراثي للفيروس، المعروف أيضًا باسم 2019-nCoV، طفرات توحي بأن الفيروس قد طور من نفسه ليصيب الخفافيش ثم البشر، وفي ثلاثينيات القرن العشرين، أظهر العلماء أن خفافيش مصاصي الدماء يمكنها أن تنقل داء الكلب إلى البشر، ومنذ ذلك الحين، تم العثور على أكثر من 60 فيروسًا تحملها الخفافيش يمكنها أن تصيب البشر أيضًا، ويشمل ذلك الإيبولا التي قتلت أكثر من 11000 شخص بين عامي 2013 و 2016 في ستة بلدان في غرب إفريقيا، وأيضًا سارس الذي أودى بحياة 774 شخصًا في أوائل الألفية الجديدة. الأمراض الحيوانية المنشأ: وتسمى الفيروسات التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر، الأمراض الحيوانية المنشأ، وهي كانت السبب وراء أكبر ثلاثة أوبئة معروفة في العالم، الموت الأسود، والإنفلونزا الإسبانية، وفيروس نقص المناعة البشرية. وعندما يصيب فيروس حيواني إنسانًا، فإنه يختلط مع فيروسات أخرى ثابتة ويمكنه أن يكتسب جينات تسهل انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، ويزيد من العدوى، وبالتالي يضمن بقاءه من خلال إيجاد مضيفات جديدة. أسباب انتشار الأمراض حيوانية المنشأ: ويعزز خطر الانتشار السريع لمثل هذه العدوى من الحيوانات من خلال توغلنا الذي لا هوادة فيه في غابات العالم، حيث أصبحنا على اتصال دائم أكثر من أي وقت مضى مع فيروسات قاتلة غير معروفة وتطور وتحتضنها مخلوقات برية لآلاف السنين. وتغير المناخ أيضًا عامل من العوامل؛ لأنه يجبر بعض الكائنات على إيجاد عوائل جديدة للتكيف معها، وربما أقرب إلى البشر. وهناك الكثير من الفيروسات الجديدة المرشحة لأن تتطور في أجنحة ومعدة ودم الحيوانات من حولنا، مما يطرح فكرة تطور عدد لا يحصى من الأمراض الحيوانية المنشأ غير المعروفة، وهو ما يمكن أن يتسبب في كارثة عالمية تتجاوز أسوأ كوابيس هوليود، والأمل هو أن يبتكر العلماء اللقاحات بسرعة ضد أحدث فيروس كورونا ووهان، والفيروسات الأخرى التي ستتبعها حتمًا، وعلى المدى الطويل يجب علينا أن نثبت كيف يمكن لمخلوقات مثل الخفافيش أن تؤوي التهابات مميتة ولكن لا تقتلها، وقد ينقذ هذا السر الجنس البشري من أكبر تهديد يواجهه، وهو وباء ناجم عن فيروس غامض ومميت للغاية.