الجدل حول كورونا يصل إلى الجِمال في المملكة.. وكلما تزايد عدد الوفيات ؛ وجه اللوم للمتسبب.. وفي هذا السياق وردت تقارير صحفية وإعلامية تتهم الإبل بالتسبب في نقل الفيروس للإنسان. وطبقاً ل CNN العربية فقد بيّن الباحثون أن هذه الأرقام تم التوصل إليها من خلال أخذ عينات من جِمال من مختلف المناطق في السعودية؛ في سبيل الكشف عن منشأ وطريقة علاج هذا المرض الذي أصاب 182 شخصاً، تُوفي منهم 79. وأشار باحثون من السعودية والولايات المتحدةالأمريكية إلى أن آثار هذا الفيروس وُجدت في الجِمال منذ عشرين عاماً سابقة. وقال الدكتور إيان ليبكين، المعروف دولياً في مجال التحقيقات بالأوبئة ومدير مركز الالتهابات والمناعة في جامعة كولومبيا: «الفيروس الذي تفحصناه لدى الإنسان متطابق بشكل كامل مع الفيروس الموجود لدى الجِمال». ووجد ليبكين وفريقه أن فيروس كورونا يتركز لدى صغار الجِمال «الهبع أو الحوار»، وليس فقط لدى الجِمال البالغة، وبالتحديد في منطقة الأنف؛ إذ وُجد أن صغار الجِمال لديها نسبة تركيز أعلى في هذه المنطقة مقارنة بالجِمال البالغة؛ وعليه قال ليبكين: «لا تُقبِّلوا صغار الجِمال.. على الأقل ليس في منطقة الأنف». ووجدت الدراسة أيضاً أن الهواء هو الوسيلة الأغلب لانتقال الفيروس؛ وبالتالي انتشار هذا المرض، لكن كيفية إصابة الإنسان بهذا المرض أمر لا يزال بحاجة إلى تحديد. دور الجِمال.. وقال الدكتور وليان شافنر، البروفيسور في الطب الوقائي بجامعة فيندربيلت: «إن هذه الدراسة ترفع من احتمالية كون الجِمال تلعب دوراً إن لم تكن السبب الرئيس؛ باعتبار أنها حاضنة لهذا الفيروس ومصدر إصابة الإنسان». وتابع شافنر الذي لم يشارك في هذه الدراسة: «الدراسة تقترح تقديم لقاح للجِمال؛ باعتبار أنها طريقة قد تكون جيدة في تقليص انتقال الفيروس من الجِمال إلى الإنسان»، وهو الأمر الذي وافقه ليبكين. لكن جامعة الملك فيصل وهي الجهة الوحيدة في المملكة المختصة في هذا المجال، ولديها مركز مختص، نفت هذه الاتهامات، مشككة في أن التقارير التي صدرت بهذا الخصوص هي تقارير غير دقيقة. وقال الدكتور عبدالملك إبراهيم خلف الله باحث في مركز أبحاث الإبل بجامعة الملك فيصل رئيس الجمعية الدولية لأبحاث وتنمية الإبل (ISOCARD) عُزل الفيروس التاجي (Corona virus) المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي ويرمز له اختصاراً بMERS-CoV في عام 2012م، ومنذ ذلك الحين شُخصت 182 حالة إصابة في البشر منها 79 حالة وفاة. ومنذ الكشف عن إصابة الإبل بعدوى هذا الفيروس التاجي طرح في الأوساط العلمية وبين عامة الناس سؤال واحد: هل ينقل هذا الحيوان الذي نحبه ونرتبط به وجدانياً وتاريخياً المرض لنا؟ استعراض مهم وقبل الإجابة عن السؤال المهم يستعرض خلف الله بعض المعلومات الذي يعتبرها مفيدة، بأن مسبب هذا المرض هو فيروس (virus) والفيروسات هي من أصغر الميكروبات حجماً وهي ذات تركيب بسيط فهي ليست أكثر من مادة وراثية (genetic element) مغلقة داخل قشرة بروتينية حافظة لها. وتنتمي الفيروسات التَّاجيَّة إلى عائلة كبيرة (Coronaviridae) من الفيروسات ذات الحمض النووي الريبي (RNA) يمكنها الانتقال من الحيوان إلى الإنسان. وقال: تشترك هذه الفيروسات مع فيروسات أخرى في التسبب في الإصابة بنزلات البرد وإسهالات صغار الحيوانات، ونادراً ما تسبّب الإصابة بعدوى أكثر خطورة. حتى وقت قريب كان هنالك فيروسان فقط من هذه العائلة يصيبان الإنسان ولكن في عام 2003م ظهر فيروس سارس (SARS) في الصين، وسجل الوباء 8422 حالة إصابة، منها 916 وفيات حول العالم بنسبة وفيات تقترب من 10%. وفي يونيو 2012 توفي أول مريض بسبب الإصابة بفيروس تاجي مختلف عن الأنواع المعروفة سابقاً، وكانت أول إصابة في المملكة، ودلت النتائج الأولية على أن الفيروس الجديد يشبه إلى حد ما فيروس سارس، ولكن مع وجود عدد من الاختلافات. وفي إطار البحث عن مصدر هذا الفيروس الجديد وكيفية إصابة البشر به تم البدء بدراسة دور الخفافيش أو الوطاويط كون هذه الثدييات الطائرة تصاب بعدد كبير من الفيروسات التاجية (الخط ج من فيروسات جنس بيتا التاجية)، كما أنه قد ثبت علمياً دورها في دورة انتقال فيروس سارس. وأشار خير الله إلى أن النتائج المعملية بيَّنت الحصول على جزء من مورث (genome) فيروس عزل من خفافيش جمعت من منطقة بيشة غرب المملكة. هذا الجزء كان مشابهاً تماماً للفيروس الذي عزل من البشر. وبما أن هذه المنطقة قريبة من مسكن مواطن أصيب وتوفي بسبب المرض وكان يملك عدداً من الإبل فقد بدأت الشكوك تدور حول دور محتمل للإبل في نقل الإصابة بالمرض للبشر. وبدأ الباحثون في تجميع عينات من الإبل في المملكة، وعن طريق الفحص المصلي اتضح أن نسبة عالية من الإبل في المملكة، قطر، الإمارات ومصر تحتوي دمائها على أجسام مضادة للفيروس. وأضاف قائلاً: تجدر الإشارة إلى أن ذلك يعني تعرضها للفيروس وحدوث عدوى (infection)، ولا يعني حدوث مرض محدد في الإبل لأن وجود الأجسام المضادة في الدم قد يكون نتيجة إصابة حديثة أو قديمة بالفيروس، كما أن المرض يحدث عندما يسبب الفيروس إصابة مميتة للخلايا (cytocidal infection) ويتمكن من التغلب على الجهاز المناعي للجسم، وكما هو معروف فإن الإبل لها جهاز مناعي متميز ودقيق، وكثير من المسببات المرضية التي تفتك بحيوانات المزرعة الأخرى لا تحدث فيها أمراض، والأمثلة كثيرة، بل تصيبها بعدوى فقط وتتكون في دمائها أجسام مضادة. وحتى الآن لم يسجل عزل لهذا الفيروس من حالات مرضية تنفسية واضحة، وحتى لو حدث ذلك فإنه يلزم حقن الفيروس المعزول في إبل قابلة للإصابة وأن تظهر عليها أعراض المرض ويتم عزل الفيروس مرة أخرى فيما يعرف بفرضية كوخ (Koch`s postulate). ومن ملاحظاتنا الحقلية وبسؤالنا رعاة الإبل في المنطقة الشرقية الذين يتوافدون يومياً على المستشفى البيطري التعليمي في جامعة الملك فيصل لم تسجل أي إصابة بشرية للملازمين للإبل بالمرض رغم الاختلاط اليومي بهذا الحيوان الأليف. وتابع خلف الله قائلاً: تشير كثير من الدلائل إلى أن عدوى الإبل بالفيروس التاجي هي عدوى غير مميتة للخلايا ومنتجة (non-cytocidalproductiveinfection)، أي يتم تكاثر الفيروس وإفرازه من دون إحداث مرض ظاهر، وهذه صفة تميز الفيروسات التي تتكاثر داخل الخلايا وتخرج منها بالتبرعم (budding) عبر غشاء الخلية. وخلص إلى القول: لذلك لم يكن مستغرباً ما نُشر مؤخراً من اكتشاف الفيروس أو جزء من مورثه في عينات أخذت من الإبل في قطر والمملكة، مما يشير إلى أن الإبل أحد خوازن المرض (reservoir). لكن لا يزال ذات السؤال قائماً. وقال: مؤخراً تم اكتشاف أنَّ الفيروس التّاجيّ الجديد يرتبط بمُسْتَقبِل (receptor) وهو بروتين DPP4 الموجود على سطح الخلية باعتباره المُسْتقبِل الذي يرتبط به الفيروس التَّاجيّ، مما يسبِّب عدوى شديدة لجهاز الإنسان التنفسي. كما أن بمقدور الفيروس استخدام البروتين المقابل له في الخفافيش لنقل العدوى، أي قد يستطيع الفيروس الانتقال بين الإنسان والخفافيش دون الحاجة للإبل. ونسبة لأن هذا الفيروس تم العثور عليه في الخفافيش، التي تصاب بأنواع عديدة من الفيروسات التاجية، فإن أقرب احتمال من وجهة نظرنا هو أن الفيروس التاجي في طريق لإصابة بني البشر قد سلك ذات الطريق الذي سلكه قريبه فيروس السارس، حيث طوَّر قدرته عن طريق الطفرات الوراثية، (mutations / evolutions) خاصة في بروتين الشوكة الخارجية (Spike protein)، مما مكنه من الارتباط بمُستقبِلات موجودة في خلايا رئتي الإنسان، ويُحتمَل أن يكون قد حدث هذا عبر إصابة حيوانات وسيطة بالعدوى، مثل الإبل. ويخلص خلف الله إلى القول: يتضح من كل هذا أن الإبل حتى الآن لا علاقة لها بنقل المرض للإنسان، وأنها تصاب بالفيروس دون حدوث مرض لأن جهازها المناعي يتغلب عليه، لكنها تعتبر خازناً للمرض، وقد تكون أسهمت في حدوث طفرات وراثية للفيروس عند إصابتها، مما مكن الفيروس من إصابة البشر. وتابع: لقد كشفت لنا هذه الأحداث الحاجة الماسة لتطوير ودعم البحوث العلمية حول الأمراض المعدية عند الإبل من خلال دعم مراكز البحوث العلمية المتخصصة في الإبل متمثلة في مركز أبحاث الإبل بجامعة الملك فيصل، وهو المركز البحثي الوحيد الخاص بالإبل في المملكة.