أفرزت حقائق الجغرافيا عن موقعين فريدين للشقيقتين العربيتين السعودية وتونس، الأولى تقع في قلب الدول العربية في غرب آسيا، والثانية تقع في قلب الدول العربية في شمال أفريقيا. في خضم الاستعدادات التونسية لاستضافة القمة العربية العادية رقم 30 نهاية مارس الحالي، واستعدادها لاستقبال أحد أهم القادة العرب المعاصرين، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يتضح التقاء آخر بين السعودية وتونس، تفرضه النسبة الوافرة من موازين الحكمة السياسية والدبلوماسية بين البلدين، في إطار البحث عن صنع الحد الأدنى من التوافق بين شركاء الصف العربي، إلا إذا ارتبط الأمر بداعمي فصول الإرهاب والفوضى، فهؤلاء يحتاجون إلى المواقف والقرارات الحازمة والحاسمة. حقائق حزم وعزم السعودية ** في منتصف ليل 26 مارس 2015، قادت السعودية تحالفاً عربياً من 10 دول عمليات “عاصفة الحزم”، لإعادة الشرعية إلى اليمن بطلب من الرئيس الشرعي عبدربه هادي منصور، بعد أن عاثت المليشيات الحوثية الانقلابية في بلاده فساداً وإرهاباً ودماراً. ** بعد أقل من شهر في 21 أبريل 2015، تم الإعلان عن انتهاء عمليات “عاصفة الحزم” وبدء العمليات الميدانية ل “إعادة الأمل”، ولا تزال مستمرة بحثاً عن تحقيق الاستقرار الأمني والإنساني المنشود في اليمن. ** في مساء 3 يناير 2016، قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بعد أحداث يومين متتاليين من الممارسات الإرهابية ضد منسوبي السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، حيث قاموا بالفعل بقذف عبوات حارقة والرشق بالحجارة، وكانت المملكة قد ناشدت المجتمع الدولي بالنظر إلى رعاية “نظام الملالي” للكثير من المليشيات الإرهابية المسلحة في الشرق الأوسط مع تدخُّل لا يتوقّف في شؤون الآخرين. ** في 5 يونيو 2017، أعلنت السعودية، إلى جانب الإمارات ومصر والبحرين، عن قطع العلاقات مع قطر وإغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية، نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها “جماعة الإخوان المسلمين” و”داعش” و”القاعدة”، ومساندة ميليشيا الحوثي الانقلابية، حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن. تونس حاضنة حُماة الأمن العربي يُعرف أن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، ذلك الجهاز الفني والإداري المسؤول عن حماية الأمن العربي، يقع مقرها في تونس. لكن يجب أن نذكر أن قرار إنشاء ذلك المجلس صدر في المؤتمر الثالث لوزراء الداخلية العرب في الطائف السعودية عام 1980، كم صدّق المؤتمر الاستثنائي للوزراء في الرياض 1982 على النظام الأساسي للمجلس. وهذا التقاء آخر بين السعودية والآخر، من بوابة الحرص على تحقيق الأمن العربي بكل حكمة ووعي. ولعل من بين أهم قرارات مجلس الداخلية العربي، من صدر منه بتاريخ 2 مارس 2016، حين صنّف وزراء الداخلية العرب حزب الله اللبناني على أنه “منظمة إرهابية”، واتهموه بزعزعة الاستقرار في المنطقة. وقبل أيام قلائل، خلال لقاء الرئيس التونسي الباجي السبسي مع وفد اتحاد المحامين العرب على هامش مؤتمرهم ال 24 في تونس (16، 17 مارس الحالي)، ردّ على مطالبهم بضرورة تحقيق التوافق باستقبال “كل” الدول العربية في القمة المرتقبة بكلمات حكيمة، حين قال: “بالوضوح.. التوافق العام لسوء الحظ غير موجود، لكن في تونس لا إشكال لنا مع أيٍّ كان”، في إشارة إلى ضرورة اتخاذ مواقف الحكمة التي تقتضي اتخاذ بعض المواقف التوافقية، على مستوى الأغلبية، بعيداً عن القلّة النشاز، واللبيب بالإشارة يفهم خصوصاً حينما يكون الأمر متعلقاً بملف التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، ومساعدة بعض الحكومات والفصائل العربية لذلك التوجُّه الإرهابي المشين.