في إطار تحقيق مزيد من التوافق السياسي وتعزيز المصالح الاقتصادية بين الجارتين الأفريقيتين، توجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، في زيارة للعاصمة السودانية الخرطوم، وهي القمة الثالثة والعشرون التي تُعقد بين الطرفين. وحسب بيان الرئاسة السوداني من المقرر أن يعقد الرئيس المصري مع نظيره السوداني حسن البشير مباحثات في إطار اللجنة الرئاسية العليا المشتركة بين البلدين. وكان وزيرا خارجية البلدين ورئيسا جهازي الأمن والمخابرات قد عقدوا اجتماعات سابقة تمهيدية قبيل وصول السيسي للخرطوم. ووفقًا لبيان الرئاسة السودانية سيتضمن جدول الزيارة اجتماعًا لرجال الأعمال من البلدين ومعرضًا للأدوية والمستلزمات الطبية،فضلًا عن بحث ملفات اقتصادية عديدة تحتاج لسند سياسي. وتشهد العلاقات المصرية السودانية نسقًا تصاعديًا ومحاولات حثيثة لتجاوز العقبات وملفات الخلاف بين البلدين. تطورات ملموسة شهدت العلاقة بين مصر والسودان في الأشهر الأخيرة الماضية تطورات إيجابية ملموسة، ترجمتها الزيارات المتواترة لكبار مسؤولي البلدين وزيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتغير الذي شهده الخطاب الإعلامي لدى الطرفين عاكسًا لشكل جديد من العلاقات أكثر مسؤولية. وعلى الرغم من كثرة الملفات الخلافية بين البلدين كالنزاع حول سيادة حلايب وشلاتين وملف سد النهضة الإثيوبي، لن تؤثر هذه الخلافات على وتيرة العلاقات الآخذة في التصاعد بين الجانبين، في ظل حرص قيادتهما على تحييد الخلافات والتركيز على الجوانب الإيجابية لبناء التعاون، خاصة على الصعيد الاقتصادي. وكان الطرفان قد اتفقا في يوليو الفائت على معالجة قضية مثلث حلايب وشلاتين دون تفاصيل، وقال وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد “إن النزاع الحدودي حول مثلث حلايب لن يكون سببًا في توتر العلاقات بين البلدين”. وخلال اجتماعات تمهيدية أغسطس الماضي ناقش الطرفان مشروعات تضمنت 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة. في أغسطس أعلنت مصر اكتمال تنفيذ التصميمات الخاصة بمشروع الربط الكهربائي مع السودان تبعها مباحثات لتنفيذ مشروع خط ربط السكك الحديدية بين البلدين. ومنذ القمة الأخيرة التي عقدت في 19 يوليو الماضي بالخرطوم والعلاقات بين البلدين في تحسن ملحوظ. على طاولة القمة يأتي الملف الاقتصادي على رأس المواضيع التي ستتطرق لها القمة المرتقبة بين الرئيسين، وستركز القمة على متابعة الملفات العالقة بين البلدين. ومن المحتمل حسب مراقبين أن تواجه القمة بعض التحديات المتعلقة بالجانب السياسي والأمني، لاسيما في إقرار التعامل بالمثل في قضايا حرية التنقل والتطبيق لاتفاق الحريات الأربع بين البلدين. ويمثل تطبيق الحريات الأربع والمعاملة بالمثل تحدياً أمام القمة، على الرغم من نية البلدين تجاوز الملفات الخلافية لصالح الاتفاقات الاقتصادية . في إبريل 2004 وقعت السودان اتفاقية الحريات الأربع والتي قضت بإلغاء كافة القيود على حرية الدخول والخروج والتنقل والتملك بين البلدين، في المقابل ظل الجانب المصري مقيدًا لحركة التنقل بالنسبة للسودانيين، الذين يعانون من تعقيدات في الدخول وينتظرون لساعات طويلة قبل اكتمال الإجراءات والسماح لهم بدخول البلاد لاسيما عبر المنافذ البرية. وكانت الخرطوم قد اتخذت هذا الشهر إجراءات خاصة بالسودانيين المتجهين إلى مصر، وحددت سقفًا ماليًا لا يُسمح للسوداني بموجبه حمل أكثر من 10 آلاف دولار حين توجهه إلى مصر، وقالت الخرطوم إن هذا الإجراء جاء بالتنسيق مع الجانب المصري. وتحتاج السودان التي تعاني أزمة اقتصادية حادة – أعلنت على أثرها مجموعة من الإجراءات تضمنت سياسة تقشف اقتصادي تستمر لمدة 15 شهرًا – إلى غطاء سياسي ودعم مصري في ظل استمرار أزمتها الاقتصادية. وحسب مراقبين، تعد الإجراءات التي اتخذتها الخرطوم غير كافية لإنهاء الأزمة الاقتصادية، فالسودان بحاجة لدعم خارجي، وتعول على الجانب المصري في هذا الشأن، لاسيما أن مصر لديها القدرة أن تكون مدخلًا لتوفير دعم خليجي للسودان لمواجهه ندرة النقد الأجنبي وتجنب مزيد من الأزمات التي شهدتها البلاد مؤخرًا. ومن المتوقع أن تشهد القمة مباحثات جدية لتوفير غطاء سياسي إقليمي وعربي للسودان يوفر لها دعمًا ماديًا عبر إحداث التوافق مع مصر . ملفات عالقة وعلى الرغم من وتيرة العلاقات المتصاعدة بين البلدين والتأكيد على تجاوز الملفات الخلافية، لا تزال بعض الملفات تؤرق الجانبين، فالسودان على سبيل المثال لا زالت تفرض حظرًا شاملًا على السلع الزراعية المصرية منذ مارس 2017 . في المقابل اتهمت تقارير إعلامية الخرطوم بدعم موقف إثيوبيا في ملف سد “النهضة” بينما تؤكد الأخيرة أنها تبحث عن مصالحها دون إضرار بالآخرين، بيد أن قضية السد دخلت مؤخرًا في إطار التفاوض والنقاش عبر القنوات الرسمية على عكس ما كان في السابق.