هل تخيلت يومًا أن تصبح “ثملًا” دون أن ترتشف قطرة واحدة من كأس النبيذ أو تتجرع الكحول؟ من الممكن الآن أن تتهم “بالثمالة” زورًا دون أن تدري وتقتاد إلى أقرب مركز للشرطة دون أن تعلم أنك تعاني من أحد الأمراض النادرة والتي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة السيدة المخمورة في عام 2016 رصدت سيدة وهي تتأرجح بسيارتها على طول الطريق في حالة من الهذيان وعيونها حمراء وقد رسبت السيدة في العديد من اختبارات الاتزان والتي اشتملت على اختبار تجرع الخمر أيضا حيث وصلت نسبة الكحول في دمها إلى 33 % والتي تعادل أربعة أضعاف الحد القانوني المسموح به. استطاعت سيدة في نيويورك حينها الإفلات من تهمة قيادة السيارة تحت تأثير الكحول بحجة إصابتها بمتلازمة التخمر الذاتي، واكتشف الأطباء فيما بعد عندما فحصوا السيدة ارتفاعا كبيرا في مستوى الخميرة في أمعائها الأمر الذي تسبب بارتفاع نسبة الكحول. وعلى الرغم من سلسلة التبريرات التي قدمتها السيدة أثناء التحقيق معها لم يكن من السهل أن تفلت من التهمة الموجهة إليها لا سيما وأن الحالة التي تتحدث عنها لم تكن منتشرة على نطاق واسع حينها. التخمر الذاتي ستتعجب عندما تعلم أن هناك متلازمة تسمى “التخمر الذاتي” Auto-Brewery Syndrome أو “متلازمة تخمر القناة الهضمية ” ويصاحب هذه المتلازمة النادرة التي تصيب بعض البشر علامات هي ذاتها التي تصاحب حالة “السكر” فيشعر المريض بالغثيان والرغبة في التقيؤ والدوار دون شرب قطرة واحدة من الخمر. يشعر المصابون بمتلازمة التخمر الذاتي بأعراض شبيهة بتلك التي يصاب بها من يتجرعون نسبا كبيرة من الكحول حتى الثمالة، فتزيد نسبة الخميرة في الأمعاء لا سيما بعد تناول الأطعمة التي تحتوي على السكر وتتحول الخميرة إلى إثانول والذي يقوم بزيادة كمية الكحول في الدم من تلقاء ذاته. وحسب تقرير للمركز الوطني للمعلومات والتقنية الحيوية فإن المصابين بمتلازمة التخمر الذاتي يشعرون بأعراض جانبية كالدوار والدوخة وجفاف الفم والحلق فضلًا عن متلازمتي القولون العصبي والإرهاق المزمن. وهناك دراسات غير مؤكدة تشير إلى أن هناك أعدادا كبيرة من أنزيمات الكبد قد تكون سببًا لحدوث هذه الحالة من الثمالة دون اللجوء لشرب الكحول، كما وجدت الدراسات أن بعض الأنظمة الغذائية التي تعتمد على نسب الكربوهيدرات العالية قد تثير وتزيد من هذه الحالة بشدة ويزيد الأمر سوءًا بفعل بعض أنواع الخميرة كالمبيضات. ويشعر المصاب بهذه المتلازمة النادرة بحالة من ” السكر” عقب تناول الطعام لا سيما ذلك الذي يحوي الكربوهيدرات العالية، وقد تستمر الحالة ليشعر بها المريض بعد مرور عدة أيام على تناوله للطعام وفقًا لاختلاف الحالات المرصودة. بطاقة للإفلات من العقوبة ولم يعرف هذا المرض بشكل صريح قبل حوالي عقد مضى إلا على يد مجموعة من الباحثين في اليابان الذين باشروا بحث هذه الحالة في السبعينات الأمر الذي دفع الكثير من المختصين إلى نفيه واعتباره مجرد بطاقة يستغلها المتورطون في شرب الخمر للإفلات من عقوبة السجن . ويقول جوناثان تورللي، الأستاذ في جامعة واشنطن، “قد يبدو الأمر للوهلة الأولى كأنّه بطاقة للخروج من السجن، إلّا أنّه لم يكن سهلًا إلى هذه الدرجة؛ إذ يجب عليك أن تجتاز بعض الاختبارات المنظّمة لإثبات هذه المتلازمة خاصة بعد تشكيك الكثير من المحاكم تجاه مثل هذه الدعاوى”. وقد قدم الكثير من الناس تقارير تفيد بمعاناتهم من متلازمة التخمر الذاتي شخص بعضها في بداية الأمر أنها أمراض متعلقة بالقولون العصبي، فكانوا يعانون من نفس الأعراض التي تصاحب شرب الخمر بكميات كبيرة عقب تناول أنواع معينة من الطعام وكأنهم قضوا الليل في ملهى يشربون الكحول حتى الثمالة وهو ما لم يحدث لهم قط. أن تكون مخمورًا لفترات طويلة دون تجرع الخمر ليس بالأمر اليسير فهي حالة تهدد مستقبلك المهني والعملي وحياتك بأسرها الأمر الذي دفع الكثير لزيادة الوعي بخطورة هذه الحالات ومحاولة تجنبها عن طريق تغير النظم الغذائية المسببة لها للتقليل من التأثيرات الناتجة عنها. على الرغم من أن فكرة ” السكر” بسبب تناول الطعام قد تبدو أضحوكة إلا أن مضاعفات هذه المتلازمة أضحت تصيب الكثيرين حول العالم وليست سوى حالة مرضية تستوجب الوقوف واتخاذ التدابير اللازمة لمنع زيادتها.