انتشرت تجارة المضاربة في أسواق العملات بالمملكة خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، على الرغم من أنَّ وزارة التجارة والاستثمار، وهيئة السوق المالية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، حذرت المواطنين والمقيمين من الوقوع ضحية للأنشطة التجارية غير المشروعة، بما فيها أنشطة تجارة “الفوركس” غير المرخصة. نمط جديد من النصب والاحتيال: وكشفت الجهات المعنية في المملكة، في آب/ أغسطس من العام الماضي 2017، أنَّ هذه الأنشطة تُمارس من قبل عدد من المحتالين الذين يمارسون أنماطًا جديدة من النصب والاحتيال، من خلال ادعائهم القدرة على توفير أرباح أو سيولة نقدية خلال فترة وجيزة، داعية إلى ضرورة الإبلاغ عن المخالفين وعدم التعامل معهم، ومبيَّنة أنَّ “مثل هذه الأنشطة قد تكون نافذة وواجهة لعمليات غسل أموال”. وأكّدت أنَّ القيام بهذه الممارسات يندرج تحت الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، داعية إلى ضرورة الاطلاع على قوائم الأشخاص والجهات المرخص لهم نظامًا من خلال موقع مؤسسة النقد العربي السعودي، وموقع هيئة السوق المالية. مخاطر عالية تؤدي بك إلى الإفلاس: وحذر مختصون من التوسع بالاستثمار في أسواق العملات؛ لما تنطوي عليه من مخاطر كبيرة قد تتسبب بفقدان كامل رأس المال في يوم واحد، مطالبين الجهات الرسمية بأهمية القيام بتثقيف المستثمرين وحمايتهم من حملات التسويق التي تقودهم إلى حافة الهاوية الاستثمارية. وتعد أسواق العملات ذات مخاطر عالية، ولا ينصح بالدخول لها لغير المختصين، لأنها تستخدم في الأساس للتحوط ضد مخاطر أسعار الصرف من قبل التجار والمستوردين، بغية الاستفادة من التقلبات التي تجري على العملات الرئيسية مقابل الدولار الأميركي، ولا تستخدم بحد ذاتها للمضاربة؛ لأنَّ في ذلك مخاطر عالية لغير المختصين، لذا يسعى أصحاب هذه الشركات لتسويق هذا النشاط كنشاط استثماري مغرٍ للمستثمرين الأفراد قليلي الخبرة، مما يكبدهم خسارة كبيرة والبعض منهم يخسر كامل استثماره في هذا السوق. شركات أجنبية تلعب على وتر الجهل: تأتي هذه التحذيرات الرسمية، في الوقت الذي تزايدت خلال الفترة الأخيرة، قيام شركات أجنبية بالترويج بشكل واسع لخدماتها داخل المملكة، لجذب الأفراد السعوديين بالدخول في أسواق العملات “الفوركس”، وتقديم تسهيلات ائتمانية تصل إلى 500%، وإغرائهم بتوسيع مركزهم الاستثماري لتحصيل مزيد من العمولات، وعند الخسارة تقوم بتصفية مركز العميل دون الرجوع إليه، اعتمادًا على اتفاقية المتاجرة بالعملات، التي تعطي الشركة الحق في حفظ حقوقها من خلال التصفية الفورية، مما يؤدي بالمستثمرين الأفراد إلى هاوية الإفلاس. والاستثمار بتجارة العملات، يعتبر عالي الخطورة، ويعد من أخطر أنواع الاستثمارات المالية، خاصة وأنه يرتبط بتسهيلات مالية توفر للمتعاملين في السوق خطوط ائتمان مرتفعة؛ فمن يمتلك عشرة آلاف دولار يمكنه المضاربة بما يقارب من 50 ألف دولار، إضافة إلى ذلك فالتداول في أسواق العملات يحتاج إلى خبرة مالية واسعة، ومتابعة دقيقة، ومعرفة بالإحصاءات والبيانات المؤثرة في الأسواق وحركة العملات، وتاريخ نشرها وبما يحمي المضارب من التغيرات المفاجئة للأسواق كنتيجة مباشرة للبيانات المعلنة. وغالبية شركات الاستثمار بالعملات، تسعى لجذب أكبر قدر من عملائها من دون التركيز على قدرتهم ووعيهم المالي، بل أصبحت الكثير من هذه الشركات تسعى إلى جذب قليلي الخبرة وإغرائهم بمضاعفة رؤوس أموالهم بفترة وجيزة مما تؤدي بالتالي هذه الممارسات إلى إفلاس المتداولين بأيام قليلة، نتيجة وقوعهم في الفخ وعدم الدراية المالية بكيفية التعامل مع هذه الأسواق. وكشف موقع “مدونة الفوركس”، أنَّ شركات غالبيّتها تزعم أنّها بريطانية، ولها أرقام مزورة بريطانية، تمارس نشاط الاحتيال على المستثمرين، من خلال مضاربات ال”فوركس”. ومن المعروف أنَّ الشركات المالية التي لديها تجارة بالعملات، وتريد التعامل مع السوق المحلي، تأخذ تراخيصها من مؤسسة النقد السعودي لمزاولة عملها بشكل نظامي بالسوق السعودي، إلا أنه- ومع انتشار التقنية بشكل كبير- أصبحت الكثير من هذه الشركات الأجنبية تحاول إغراء زبائنها بالأسواق المحلية من دون وجود ترخيص رسمي عن طريق المواقع الإلكترونية، وذلك بالكسب السريع ومضاعفة محفظة التمويل لعدة مرات، لجذب أكبر قدر من المتداولين، وبالتالي عند حدوث خسائر وهزات مالية، فإنَّ المتداول هو كبش الفداء. لذا فإنَّ كل متداول بالسوق المحلي، عليه أن يتأكد من الشركات الأجنبية التي يتعامل معها، بوجود ترخيص لها بمزاولة العمل، والاطلاع على العقود، وعرضها على مستشارين قانونيين، لمعرفة أبعاد هذه الخطوة الاستثمارية ومعرفة الحقوق؛ كون غالبية هذه الشركات الأجنبية تعتمد على عامل الإغراء المالي، مما يجعل الكثير من المتداولين بالسوق المحلي وغيرهم من الأسواق يقعون بالفخ. لعب على وتر الأمل: تتفنن شركات المضاربة بالعملات، في جذب البسطاء من المتداولين بعرض قصص وهمية بتغير أوضاع متداولين من مرحلة الفقر إلى الغنى المالي، واللعب على وتر الثراء السريع وتحقيق الأحلام بأيام معدودة، كسبًا لمزيد من العملاء البسطاء، وبالتالي تحقيق عمولات ومكاسب عالية. وتتمثل إشكالية جرائم الإنترنت عمومًا، في قدرتها على الانتقال بسهولة عبر الحدود دون وجود قيود، فضلًا عن اختلاف القوانين بين الدول التي قد تؤدي إلى وجود ثغرات تتسلل عبرها الجرائم، وتكمن خطورتها أيضًا في أنها جرائم سهلة الارتكاب، ولكنها صعبة في الوصول إليها. ويعتبر النصب من خلال سوق أو بورصة العملات الأجنبية “فوركس Foreign Exchange Market” عبر شبكة الإنترنت، أحد أشكال الاحتيال التي انتشرت أخيرًا؛ لكونه نشاطًا غير مرخص أو مسموح بمزاولته، وبالتالي لا يجد المتعامل معها (رقيبًا) يلجأ إليه في حال التلاعب والنصب، وهو ما يعاني منه الكثيرون الذين انساقوا بسذاجة أو طمعًا في الثراء السريع. وتكمن خطورة ال”فوركس” في أنها وسيلة سهلة للمتاجرة، حيث لا يحتاج المتعامل معها سوى جهاز كمبيوتر يتصل بشبكة الإنترنت، وسيولة نقدية بسيطة تبدأ ب(100 دولار أميركي)، هذا على عكس المتاجرة في سوق الأسهم والسندات أو البورصة المحلية العادية، التي تتطلب حجم سيولة كبير، إضافة إلى كثرة عمليات التلاعب التي تتم في البورصة، وعدم وجود ضمانة للربح في تداولات السوق (وهو نفس العامل المشترك مع المتاجرة في فوركس). قاعدة واسعة من المتعاملين: وحقق سوق ال”فوركس” قاعدة واسعة من المتعاملين، من خلال الإغراء على شبكة الإنترنت، فقد خصصت الكثير من المنتديات والمواقع شرحًا تفصيليًّا، وأعطت حسابات تجريبية بسيطة، مع كتابة عبارات مثل “كيف تصبح مليونيرًا من خلال الإنترنت”، “تداول في بورصة العملات بمخاطر محدودة وعائد مغرٍ”. ورصد الخبراء الاقتصاديّون أنَّ هناك انتشارًا كبيرًا للشركات الوهمية التي استهدفت الخليجيين، لاسيّما السعوديين، من خلال روابط إعلانات واتصالات مستمرة على هواتف السعوديين وإغرائهم بالأرباح الكبيرة. وكثير من الشركات الوهمية التي استهدفت السعوديين، تتمركز في قبرص وروسيا، ما يؤكّد أنَّ اختيار شركة الوساطة المناسبة هو من أحد عوامل النجاح في تجارة العملات. فسوق الفوركس كأي سوق أوراق مالية، يمكن تحقيق الأرباح فيها، وقد يتعرض فيها المتاجر إلى الخسائر أيضًا، لأنَّ هذه الشركات تعمل بدون تغطية بنكية، أي بلغة مبسطة، التاجر يقوم بافتتاح صفقة من خلال شركة فقط، وهذه الصفقة لا تدخل ضمن الصفقات المصرحة والحقيقية لهذا السوق، فكل مجموعة من مبرمجي أو مصممي مواقع جيدين، باستطاعتهم اليوم استئجار برنامج تجارة، مثل (MT4)، وبناء موقع بلغة إنجليزية وعربية، يعد المستثمر بالأرباح الخيالية. ويتم تسويق هذا الموقع ضمن محركات البحث “جوجل، وياهو، وبينج، أو أي دليل مواقع عربي”، ما يأتي بالزوار للموقع. ويجعل منهم أهدافًا للنصب والاحتيال.