من الأخطاء الشائعة حصر الجمال في الوجه أو الجسم أو المظهر ، فيهتم المرء بجمال مظهره فيحسنه ما استطاع ، وكم هي عيادات التجميل التي أصبحت أكثر ربحا وعملا من عيادات العلاج لكثرة مرتاديها الذين يبحثون عن تجميل مظهرهم ، حتى جرهم الأمر إلى إجراء عمليات في وجوههم تجاوزت حد المعقول ، كثرة وطريقة ، حتى يخيل إليك أن أكثر الناس ليسوا راضين عن خلقتهم . وكذا انتشرت في الاسواق دور تختص بالموضات والأزياء وتتفنن فيها ، وتنافس الناس في التزيي واختيار اللباس الذي يبهر الناظرين . ولست أريد تحريم ما أحل الله ، بل أصل ذلك جائز وجاء الحديث بهذا الغرض ، فحين قال صلى الله عليه وآله وسلم : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ، ونعله حسنة ! قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ، وغمط الناس .رواه مسلم . فأنت ترى أن جمال الثوب والنعل وهما مما يكتسبه الإنسان داخل في حب الله الجميل للجمال ، فلا عيب على من سعى لذلك . لكن الجمال الذي يحبه الله ليس مقصورا على هذا ، وإنما جمال المظهر يراد منه جمال المخبر ، فليس جميلا أن تكون ثيابك حسنة ووجهك حسنا ، بينما قلبك المخبأ بين أضلعك يعج بالقبح والسواد ، ولسانك يطفح سوءا وقذارة ، ورائحتك النتنة تعج في أرجاء من حولك تضايقهم بسوء الأخلاق ، وقبيح الأفعال . إن هذا هو التناقض بعينه ، أو هو الاغترار بالمظهر ، أو هو الغش الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه ، أو قل هو الإفلاس الذي جاء وصفه في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومعناه واضح جلي ، حيث اهتم المفلس الحقيقي بمظاهر الإسلام وشعائره وغفل عن الحقوق المترتبة عليه منها وتبعا لها ، فحرص على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم ، وغفل عن أهم ما تنتجه هذه الأعمال لو كانت لله حقا ، فالصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، والزكاة تزكي أخلاقه وتنمي أفعاله ، والصيام يعوده ترك قول الزور والجهل والعمل به . فالجميل الذي يحب جمال المظهر يحب أيضا جمال المخبر ، جمال الخلق ، جمال الكلمات ، ، جمال التعامل ، جمال الفكر ، والسيرة ، الجمال في أداء الواجب ، الجمال في إتقان العمل ، الجمال في حب الخير للناس ، جمال الدعوة إلى الحق ، وجمال نصرته باللين والرفق ، جمال الأسلوب في التعليم ، كما في حديث معاوية بن الحكم ، رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فبأبي هو وأمي ، ما رأيت قبله ولا بعده أحسن تعليما منه . رواه مسلم . فالحسن والجمال متشعب إلى الحياة كلها ، ولا ينبغي أن نقف به عند مظهرنا ، لو فعلنا ذلك لغدت حياتنا أجمل بكثير ، ولغدونا نحن بدورنا أجمل بكثير ، والله جميل يحب الجمال .