رغم توافر الأنظمة والمواثيق التي تسن وتنظّم لأخلاقيات العلم والنزاهة البحثية والأكاديمية في كافة مؤسسات التعليم العالي في دول الغرب، إلا أن مكاتب حفظ النزاهة الأكاديمية ولجان أخلاقيات البحث العلمي باتت جزءاً لا يتجزأ من أجندة مهام تلك الجهات لضمان تجويد العلم. وعلى الرغم من كثافة الجهود الذاتية المنظمة لتلك المؤسسات لتحقيق النزاهة، إلا أن اختراقات أخلاقية قد سُجّلت من وقت لآخر بين منسوبيها ومراكزها البحثية، تجلت في هيئة سرقات علمية وانتحالات فكرية وتزييف لمعلومات أو بيانات بحثية أو حتى اختلاقات وتلفيقات غير حقيقية تنسب للعلم، بعضها كان يتكشّف للأقسام واللجان العلمية عبر متابعاتهم الاعتيادية للأعمال المقدمة من هيئة التدريس للترقيات والمشاريع البحثية، والبعض الآخر كانت تكشفه دوريات للنشر العلمي ومواقع إليكترونية ترصد الفساد العلمي بشكل يومي وتتابعه، أو كانت تكشف عبر مبلّغون عن الفساد العلمي عملوا في تلك الجهات أو كانت لهم ارتباطات بها، بعض هؤلاء المبلّغون تعرضوا للانتقام والإقصاء من جهات عملهم أو من خلال أفراد متحايلين تضرروا من بلاغاتهم، مما أسهم في بانتشار العديد من أشكال الفساد العلمي بالجامعات رغم ما يقام من جهود وتنظيمات رسمية داخلية لاحتوائه، وضماناً لاستمرار نزاهة العلم والأبحاث في الغرب وحماية المبلّغين عن الفساد وعدم عزوفهم، عملت جهات رسمية خارجية في دول كالولايات المتحدةالأمريكية وكندا وأوروبا وآسيا وغيرها على تأسيس أنظمة لحماية المبلّغين وإقامة هيئات ومكاتب للنزاهة العلمية والبحثية تتبع لجهات رسمية خارجية، كوزارة التعليم العالي ووزارة الصحة أو جهات تطوعية مستقلة تتعاون مع جهات رسمية( كهيئة النزاهة والبحث) في أمريكا( والشبكة الأوروبية لأخلاقيات ونزاهة البحث) والتي تربط جهود عدد من الدول الأوروبية معا للتصدي للفساد العلمي. وفي المجتمعات العربية التي تدار مجمل مؤسساتها للتعليم العالي ومراكزها البحثية على إحسان الظن ومنح الثقة المطلقة دون رقابة أو متابعة جادة خارجية أو أنظمة للمساءلة حول النزاهة العلمية، قد تكون الصفعات الناجمة عن استغلال الثقة والتفريط بالأمانة وأخلاقيات العلم أكثر وجعاً وإضراراً، فالتعاطي الداخلي السلبي من الجامعات مع قضايا التحايلات العلمية الناجمة عن ثلة من أعضاء هيئة التدريس والقيادات الجامعية الفاسدة، كلّف العديد من طلبة الجامعات وهيئة التدريس الشرفاء الذين غابت حقوقهم ولم ينصفوا ارتياد المحاكم ولجان حقوق الملكية الفكرية وغيرها لغياب الجهة المركزية التخصصية المحايدة المعنية بالتعامل مع قضايا الفساد العلمي في وزارات التعليم العالي، والبعض الآخر ممن أصابه اليأس من حراك المسؤول وتفاعله، آثر كسر حاجز الصمت والتبليغ علانية عما يدور من تحايلات بتلك الأوساط العلمية علّه يجد أذنا صاغية، مما تسبب بتوجيه الاتهامات الكيدية لهم وتعريضهم لعقوبات قضائية غير عادلة قضت على أمانهم وثقتهم وأهدرت كرامتهم أو دفعت بهم للرحيل جراء ما عايشوه من خذلان وفساد بجهات عملهم. في عالمنا العربي لن يبرأ التعليم العالي من وباء الفساد العلمي الذي ألمّ به منذ سنين ما لم تستحث الجهات الرسمية حملات تطهيرية جادة وحازمة لنزع الوباء المتفشي بأروقته وتسريع الأنظمة الخاصة بالنزاهة العلمية، فمن العار على التعليم الجامعي أن يكسر يوماً بعد يوم أستاذاً جامعياً نزيهاً مميزاً لحماية فاسد متلاعب بالعلم أو موالٍ له. فالنزاهة يا سادة ليست خيارا ذاتيا قابلا للتفاوض، بل مبدأ وخلق عام لا يحتكم لمغريات ولا يخضع لمجاملات، وإلا غدت تلك النزاهة بحد ذاتها نزاهة مشبوهة، لذلك نعم وبكل تأكيد نحتاج لوقفات طويلة للمساءلة والتمحيص في عدد من الملفات التابعة للتعليم العالي، فالمسؤول بوزارة التعليم الذي استلم شكاوى وملفات للفساد العلمي كائن من كان ولم يعالجها يحتاج لوقفة، والجامعات التي بُلّغت بفساد علمي بين قياداتها أو هيئة التدريس أو موظفوها ولم تعمل على محاسبتهم تحتاج لوقفة، ونظام الجرائم المعلوماتية الذي يجيز للمتحايل بالعلم محاكمة المبلّغ عن فساده بتهمة التشهير يحتاج بلا شك لوقفة، وأخيرا ما ورد من معلومات وتبليغات ومطالبات في وسم (سرقوني) الذي يحارب الفساد العلمي في التعليم العالي والمراكز البحثية منذ عام 2012 في موقع التواصل تويتر يحتاج وبكل تأكيد لمراجعة دقيقة ووقفة. * مؤسسة وسم #سرقوني للتنوير بالنزاهة العلمية