يتراءى لنا أحياناً أن ما تعلمناه في الصغر من ضرورة التحلي بالصدق وقول الحقيقة أمر بهيج سيجتر معه الخيرات لنا ولغيرنا، لكن ما يدور على أرض الواقع وفي الأوساط الأكاديمية تحديدا يؤكد أن تلك السمة ستجلب التعاسة على صاحبها، فإعلان الحقيقة في تلك الأوساط يعني فتح أبواب الشيطان على مصراعيها على أنفسنا، وهو بالفعل ما عايشته على مدى ثلاث سنوات منذ أن أسست وسم (سرقوني) في موقع التواصل «تويتر»، هذا الوسم الذي ارتأيت من خلاله التنوير بأخلاقيات البحث العلمي والنزاهة الأكاديمية بعد أن تعرضت شخصيا لسرقات علمية من زملاء في الأوساط الأكاديمية، ولم تجد شكواي تجاوباً في كواليس الجامعات أو التعليم العالي، وضعني القدر هكذا دون تخطيط مسبق مني لأكون عقبة في طريق كل من تسوّل له نفسه استلال جهد غيره دون حق فكانت البداية، واسمحوا لي أن ألخص قصتي مع هذا الوسم في نقاط: 1. منذ تأسس وسم «سرقوني» تكشفت لي حقائق كثيرة حول سرقات علمية لبعض منسوبي الجامعات السعودية والعربية أدت بعض منها إلى ترقيات علمية لمن لا يستحقونها، ورغم كشفنا لها استمرت الدرجات الجديدة لأصحابها، رغم أن العرف العالمي في الجامعات المرموقة يقود عادة لسحب درجة الترقية. 2. عديد من الأبحاث التي كشفناها في وسم سرقوني كانت مباعة أو مسروقة رغم أنها مدعومة من بعض جامعاتنا بمبالغ مالية كبيرة، مما يعني أن الجامعات موّلت أبحاثاً مسروقة أو مشتراة سبق إعدادها بجهات أخرى من قبل أساتذة معارين لجامعات سعودية أو متعاونين مع بعض أساتذتها، ورغم تلك الحقيقة المرة لم نسمع إلا نادراً جداً بجامعة من جامعاتنا عاقبت من استغلها أو استعادت تلك الأموال. 3. عديد من الأبحاث التي نُشرت من منسوبي جامعاتنا في مجلات عالمية وتم سحبها بعد النشر لمخالفات وتحايلات علمية وأدرجت في مواقع كشف السرقات بمؤسسات أكاديمية في الإنترنت، نجدها مع الأسف ما زالت مدرجة في مواقع أعضاء هيئة التدريس والحاويات العلمية ببعض جامعاتنا، رغم أن الجهات التي سحبتها تحذّر من الاستشهاد بها لما قد يكون في نتائجها من ضرر على الشأن الطبي أو الصحة العامة خاصة الأبحاث الطبية والعلمية، وأيضا كانت تحذيرات المؤسسات الأكاديمية العالمية من خطورة الاستشهاد بأبحاث مسروقة تقود لاحقاً لرفض نشر الأبحاث الجديدة التي استندت عليها. ورغم كشفنا لها حفاظاً على الحقيقة لم تحرك جامعاتنا ساكناً. 4. عديد من الأبحاث التي تتبع جهات بحثية مرموقة في جامعاتنا قد نُشرت في مجلات دولية وهمية يديرها لصوص استولوا على مواقع تلك المجلات وأصبحوا يتاجرون بالنشر فيها؛ حيث تتلقى تلك المجلات البحث المرسل لها عبر الإنترنت وتقوم بنشره فورياً دون تحكيم علمي – كما هو مفترض – لقاء مبالغ مالية يدفعها الباحثون أو بعض المراكز البحثية في جامعاتنا، وعلى الرغم من كشفنا لتلك المجلات التي أدرجت في مواقع الإنترنت العالمية وتعميم جامعاتنا على منسوبيها بعدم التعامل معها، نجد عديداً من منسوبي جامعاتنا قد نشروا من خلالها، وما تزال أبحاثهم معلنة في مواقع تلك المراكز البحثية بجامعاتنا رغم أن نتائجها قد تكون مغلوطة، دون أن يطالبوا باسترداد المبالغ المالية التي صرفت لنشرها أو حتى إعادة تحكيم تلك الأبحاث التي لا نستغرب أن يتم ترقيتهم أو تكريمهم عليها. 5. بعض من تكشّفت لنا سرقاتهم العلمية اكتشفنا أيضا أنهم مكلّفون بمناصب قيادية أكاديمية في جامعاتنا، وبعضهم الآخر سُلّمت لهم مهام قيادية بعد كشفنا لتحايلاتهم العلمية، مما يثير تساؤلات كبيرة حول صمت الجامعات عن تلك الشخصيات وكأنه قد تم تكريمهم نتيجة هذه التجاوزات الخطيرة في البحث العلمي. 6. كل ما أدرج في وسم «سرقوني» من أبحاث ومخالفات تتضمن تحايلات علمية كنت قد أرسلتها أيضا لوزير التعليم العالي (سابقا) ووزير الصحة (الأسبق) ومديري بعض الجامعات، ولكن القليل فقط مما أشرنا إليه أدى إلى تجاوب، ومؤخرا حاولت التواصل مع وزير التعليم الحالي عبر حسابه في تويتر وبريده الإلكتروني في الوزارة بخصوص التحايلات، ولا تجاوب بدر من معاليه. إن محاربة الفساد العلمي التي أَدخَلتُ نفسي بها منذ ما يقرب الثلاث سنوات، لم تكن لتمر مطلقا دون عواقب، فقد أودت بكثير من التحالفات والإقصاء ضدّي في جهة عملي وتحمّلتها دون أدنى تَشَكٍّ، وذلك لمعرفتي أن ما أقوم به حاليا لهو جزء لا يتجزأ من دفع الضرر عن وطني والإسهام في زرع قيم النزاهة في الأوساط الأكاديمية؛ حيث حرصت دائما على التنوير بكيفية إعداد البحوث وتجنب السرقات العلمية في الأوساط الطلابية من خلال حسابي في تويتر. علما أن أنظمة التعليم العالي في المملكة لم تأخذ في حسبانها مع الأسف التأكيد نظامياً على أخلاقيات البحث العلمي وعواقب مخالفتها، وفي غياب المتابعة أو المساءلة الجادة من الجامعات لمنسوبيهم من المتحايلين والمخالفين لأخلاقيات البحث العلمي ممن استباحوا كل الطرق لتحقيق تطلعاتهم، وفي سياق التهميش والتجاهل الجامعي القائم لشكاوى السرقات العلمية بين منسوبيهم، فقد تُرِكت الساحة مع الأسف مفتوحة أمام كل مفسد للعلم أو متسلق على أكتافه، مما دعاني وغيري من المخلصين لهذا الوطن (من متابعي وسم سرقوني) للوقوف وبقوة أمام أي فساد علمي وكشفه للمسؤولين في محاولة للدفع بهم للقيام بواجبهم، ولتنبيه أصحاب القرار لما يجري من تعتيم في الأوساط الأكاديمية لدرء الحقائق، ولكن، ومع الأسف قد صمّت الآذان عن سماع الحقيقة فتطاول لصوص العلم على الشرفاء دون أدنى حياء.