تواجه المنطقة العربية، تحدّيات مشتركة عدّة، لعلَّ أبرزها التمدد الإيراني فيها، والإرهاب الذي يخلّفه، فضلًا عن "داعش" والدمار الذي تسبب به في الهوية العربية والإسلامية، ناهيك عن آثاره السلبية على مستوى الحضارة والتاريخ، وغيرها من الأسباب التي تحتّم الاجتماع والتنسيق المشترك بغية مواجهة التحدّيات الراهنة، والمستقبلية. دبلوماسيّة العشر الأخيرة من رمضان تكشف أوجه التعاون: وتمخّضت دبلوماسية العشر الأواخر من رمضان، عن الإعلان المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية العراق، الذي يصب في صالح التنسيق المشترك لمواجهة التحدّيات المحلّية المشتركة، والدولية أيضًا، وهو المشروع الذي صادق عليه مجلس الوزراء السعودي اليوم الاثنين، برئاسة نائب الملك الأمير محمد بن سلمان. وشدّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي استقبل العبادي في مكة، على أنَّ "جميع القلوب والأبواب مشرّعة للتعاون المشترك بين السعودية والعراق"، معربًا عن أنَّ "المملكة مستعدة للمساعدة والتعاون المشترك في المجالات الاقتصادية، والتجارية والحدود والقطاع الخاص ورجال الأعمال وتبادل المصالح وزيادة التنسيق في مواجهة الإرهاب والتعاون للقضاء على داعش وحفظ الأمن المشترك. نائب الملك: للعراق مقوّمات نجاح في مواجهة التطرف المنطقة تشهد مآسي كبيرة، يمكن حلّها بالتعاون والمساعدة، ويجب أن يكون للأمة العربية والإسلامية دور في البناء والإعمار والتنمية، وهو ما دفع العراق إلى السعي ألا يكون طرفًا في النزاعات، إنما يكون جزءًا من عوامل الاستقرار والالتقاء. وأكّد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في رمضان الماضي، عدم وجود خلافات حقيقية مع العراق، وإنما تحديات ومخاطر مشتركة، ناقشها مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، خال زيارة الأخير إلى المملكة، والتي شملت التعاون ضد الإرهاب، وتعزيز العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة التي تخدم الشعبين العراقي والسعودي، فضلًا عن فرص الاستثمار في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة إلى جانب التعاون الأمني ومواجهة خطر الإرهاب. وأوضح الأمير محمد بن سلمان، أنَّ التطرف مركّب من مجموعة من الأحداث المعقدة، منها عدم استقرار بعض الدول، لكن المملكة متفائلة بعمل العراق وتوجّهه، وستقطع شوطًا مهمًّا من خلال المجلس التنسيقي بين البلدين. وشدّد على أنَّ "للعراق مقومات للنجاح أكثر من المملكة، ومن موقع متميز وعقول مميزة ونهرين"، مشيرًا إلى أنَّ "المملكة جاهزة للوقوف معه، إذ لا توجد بينها وبين العراق أية خلافات حقيقية"، عادًّا التعاون بين البلدين "نقطة تحول مهمة في المنطقة". العراق يسعى إلى وطن متّزن: من جهته، شدد حيدر العبادي على أنَّ "العراق يسعى إلى تأسيس علاقة صحيحة ومتينة والسير بخطوات واثقة. وقال: "إننا لم ننتصر على داعش بالقوة العسكرية فقط، ولكننا كسبنا أبناء شعبنا وتعاونهم، عندما لم نميّز بين عراقي وآخر، ونحن نحترم التنوع الديني والقومي والمذهبي، ونسير على هذا النهج، وعلاقاتنا قائمة على مصالح شعبنا، ولا نريد أن نكون ضمن سياسة المحاور، ونحافظ في علاقاتنا المتنوعة مع دول العالم المختلفة والمجاورة على استقلال قرارنا، ونتحرّى مصالح شعبنا وأمننا، مؤكدًا أهمية التعاون ضد الإرهاب والقضاء على عصابات داعش الإرهابية". والقارئ لهذا التصريح، يرى أنَّ العبادي وعموم العراق، قد توجّهوا إلى الانفصال عن هيمنة نظام الملالي على مشروعهم الوطني، بعدما أعلن أكثر من مسؤول إيراني، اعتبار بغداد، عاصمة خاضعة لنفوذهم وسيطرتهم، الأمر الذي أجج احتجاجات عدة في البلاد، التي كان تنظيم "داعش" الإرهابي، يحتل جزءًا واسعًا منها. وفي ضوء ذلك، تتوجّه الحكومة العراقية، إلى سياسة خارجية قائمة على تغليب المصالح العليا للبلاد، والسعي إلى بناء أفضل العلاقات مع جميع دول الجوار في المجالات كافة، متطلعة إلى التعاون الجاد ضد الإرهاب، الذي يهدد أمن واستقرار شعوب ودول المنطقة. انفتاح سعودي على العراق: ووجود مشتركات بين العراق ودول الجوار، يتعلق معظمها بضرورة محاربة الإرهاب، وهو ما تسعى المملكة إلى إرسائه، وتمَّ الإعلان عنه، خلال القمة الإسلامية الأميركية الكبرى، التي احتضنتها الرياض، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فالإرهاب اتّخذ سمة العابر للحدود، حتى بات يضرب شرقًا وغربًا، وكانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي واجهته وعانت منه. وظهرت بوادر انفتاح المملكة على العراق، منذ عام 2015، حيث كان مقررًا أن يقوم وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل بزيارة العراق، وأن يشرف على إعادة افتتاح السفارة السعودية لدى بغداد، إلا أنَّ وفاته حالت دون ذلك. كما استقبلت المملكة رجال أعمال عراقيين للاستثمار في المملكة، تمهيدًا لاستثمار سعودي في العراق. التحالف الدولي ضد "داعش": السعودية كانت من مموّلي والمشاركين في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي أعلن عن نشأته من سوريا وتمكّن من السيطرة والتمدّد في الداخل العراقي، معلنًا عن احتلاله محافظتي الأنبار ومدينة الموصل عاصمة نينوى، التي تمَّ دحره أخيرًا منها، عقب جهود كبيرة بذلت لتحقيق هذا الهدف. وشهدت العلاقات العراقية السعودية تقدمًا خلال العامين الأخيرين، ودخلت أجواء إيجابية منذ زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في شباط/ فبراير الماضي، ولقائه العبادي وكبار المسؤولين العراقيين، وأعقبتها زيارة وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، التي بحث خلالها مع مسؤولي الحكومة العراقية الوضع في سوق النفط ومسألة تمديد اتفاق خفض الإنتاج. المجلس التنسيقي السعودي العراقي: يذكر أنَّ بيانًا عراقيًّا سعوديًّا مشتركًا، صدر في ختام زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى السعودية، كشف أنّه حرصًا على الأخذ بكل ما من شأنه توطيد علاقات البلدين، فقد اتفق البلدان على تأسيس مجلس تنسيقي بينهما للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الإستراتيجي المأمول وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية والتجارية والاستثمارية والسياحية والثقافية، وتنشيط الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، ومتابعة تنفيذ ما يتم إبرامه من اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة، وتكثيف العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، وفي مقدمتها مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، عبر تجفيف منابعه وتمويله، والالتزام بالاتفاقيات والتعهدات التي تلزم الدول بهذا الشأن.