هناك تخوف من آثار فك ربط الريال بالدولار لعله من ما جرى لبعض العملات كالجنيه المصري ،ولكن المقارنة غير واردة من حيث الموارد والاحتياطات ومتانة اقتصاد كل من مصر والمملكة، وعندما أشرت في مقالي السابق عن تجربة الوون الكوري الجنوبي والدولار الأمريكي ذكرت أنه كان يعادل ألف ومائة وثمانين ووناً للدولار وما حدث كان مدهشاً فقد ارتفعت تنافسية السلع الكورية مع المحافظة على مستويات معيشة جيدة للمواطن، فالأرقام ليست مهمة إنما السياسات التي تتبع بعد فك الارتباط فهي التي تعزز القوة الشرائية للعملة، وقصة نجاح الوون الكوري لن تختلف عن الريال طالما تحتكر الدولة عملتها كحق سيادي وتصدرها بأي كمية . قد يقول قائل بأن فك الربط يعني كلما انخفض الريال أمام الدولار فعلى المملكة رفع الأجور وزيادة الصرف العام لتحافظ على مستويات المعيشة وجودة الحياة مما سيؤدي لتضخم سلبي، وهذا قول يرد على نفسه لأنه يغيب حقيقة أن التضخم ينتج من خلل حين تفوق الرغبة الاستهلاكية المتوفر من السلع والخدمات وهناك سياسات لكبح معدلاته والرد سيصرف المقال عن موضوعه، لأن انخفاض العملة الوطنية لمعدلات غير مرغوبة يعني أن على الحكومة تطوير سياسات تحد من تراجع عملتها لتحافظ على مستويات عيش لائق وكريم. وما أود إجلاءه أن المملكة تدفع حالياً ثمناً للحفاظ على ربط العملة بالدولار وعندما تفك الارتباط أيضاً ستدفع ثمناً ما ولكن الفارق عوضاً من الدفع للحفاظ على قيمة الريال بحدود 3.75 للدولار فإنها ستدفع وهي حرة اليد وبعملتها الوطنية وتبني سياسات بديلة لضبط معدلات التضخم وفي كمية العملة الضرورية للنمو الاقتصادي يضاف أن من ميز فك الربط أن استخدام العملة المحلية يعتبر استثماراً يؤدي للتوظيف الكامل محلياً عبر توجيه الاقتصاد نحو قطاعات لها ميز تنافسية مما سيؤدي لزيادة السعة الإنتاجية والاكتفاء الذاتي والتصدير مما يحد من وقوع الاقتصاد المحلي في مسارات غير مرغوب فيها، فضلاً أن السياسة الضريبية ستعمل كآلية تستهدف تقليص هدر موارد الإنتاج الأساسية التي يحتاجها الاقتصاد والقطاع الخاص لزيادة الإنتاج وتنويع الموارد. لهذا كاتب السطور لا ينكر أن الدولة ستدفع ثمناً عند فك الربط ولكن لا داعي للمخاوف فدفع الثمن محلياً له ميزات تتيح حرية واسعة للحركة ولتبني سياسات مختلفة لأسعار الفائدة والصرف والإنفاق ومعدلات الضريبة وأي سياسات اقتصادية تتصل بتحقيق أهداف عامة أو بحجم القطاع العام وتطوير الجودة والإنتاجية وتحديد أولويات القطاعات الاقتصادية أو بالاستثمار في مجالات البحث العلمي واقتصاد المعرفة. بكلمات موجزة فك الربط يتيح الاستثمار في كل ما يقود الاقتصاد الوطني لتحقيق التوظيف الكامل. وما أشرت إليه ليس وليد لحظته أو عفو الخاطر وإنما استنتاج من قراءات تجارب بعد الحرب العالمية أصابت نجاحاً وتجارب معاصرة كالتجربة الكورية الجنوبية المشار إليها في ثنايا مقالي السابق وصحيح قد نواجه تحديات وبعض معاناة ولكن قال المتنبي : تريدين لُقيانَ المعالي رخيصة ** ولابد دون الشهد من إبر النحل