هل ينطبق المثل «من الحبّ ما قتل» على عصرنا كما انطبق على العصر القديم الذي ضُرِب فيه لأولّ مرّة؟. تعلمون أنه قد ضُرب بعد أن تبادل الأصمعي شِعْراً مع فتىً عاشقٍ في البادية، إذ قال الفتى: أيا معشر العُشّاقِ خبِّرُوا إذا حلّ عِشْقٌ بالفتى كيف يصنعُ؟. فنصحه الأصمعي ب: يُداري هواه ثمّ يكتمُ سرّه ويخشعُ في كلّ الأمور ويخضعُ!. فردّ الفتى وهو على شفا الجنون: وكيف يُدارِى والهوى قاتلُ الفتى وفي كلّ يومٍ قلبُه يتقطّعُ!. فتفلسف الأصمعي بهذا البيت وليته ما تفلسف: إذا لم يجد الفتى صبراً فليس شيءٌ سوى الموتُ ينفعُ!. فما صدّق الفتى خبراً، وقتل نفسه بحجر بعد أن كتب فيه آخر بيت شعر في حياته: سمعنا أطعنا ثم مِتْنا فبلّغُوا سلامي لمن كان بالوصْلِ يمنعُ!. رحم الله الجميع، ويقطع الحبّ وسنينه، أمّا الجواب على السؤال فهو أنّ المثل ينطبق أيضاً على عصرنا، لكن بأشكال أخرى، وأخطرها أن يُدمِّر العاشق مستقبله وسُمعته باقتراف الجرائم وإفساد مجتمعه سعياً للثراء وصرفاً للمال ببذخ على من يحبّ، ويُورد نفسه ومجتمعه للمهالك، مثل الفنّان الخليجي الذي قُبِض عليه مؤخراً لترويجه للمخدّرات وصرف ما يكسبه منها على زوجته الحبيبة إليه، حتى أنه أهداها في عيد ميلادها طائرة خاصّة، ولا يناديها إلّا: يا قلبي!. نعم، إنّ من الحبّ ما قتل، ومنه ما يُدخِل السجن، ومنه ما قد يُوصِل لحبل المشنقة، فاللهم رحمتك بعبادك، إهدهم، وأصلحهم، وقهم سيئات نفوسهم!. وأختم بقصّة شاب ساذج طلب من أمّه الحكيمة أن تدعو له بالحبّ وأن يُشتهر به، فنظرت إليه نظرة حنان، وقالت له: روح يا ولدي، ربّنا يكفيك شرّ الحبّ!. @T_algashgari [email protected]