لا يزال الجدل قائماً حول عضوية الأندية الأدبية، من هو الأحق بها، هل هو المثقف أم الأديب؟! وزارة الثقافة أنهت هذا الجدل منذ قيامها بتغيير مسمى الأندية الأدبية إلى « النادي الأدبي الثقافي « لأن مفهوم الأدب لم يعد محصوراً في الشعر بل زاحمت الرواية والقصة والسيرة الذاتية الشعرَ، ولأنها تعبر عن ثقافة المجتمع في الماضى أو الحاضر أو كليهما معاً فهي إلى الثقافة أقرب حتى لو قال قائل بأن لغة الرواية والقصة والسيرة أدبية وصورها شعرية وأنها تنسب إلى الأدب فهو يتغافل عن التفاصيل السردية وصور الحياة وطرق المعيشة اليومية التى تجعل من الرواية منتجاً ثقافياً بجدارة. فإذا كانت الرواية منتجاً ثقافياً والقصة والسيرة الذاتية والنصوص التي يطلق عليها شعرية تعبر عن ثقافة المجتمع وتصور الحياة اليومية والعلاقات الإنسانية فهذا يعني أن الثقافة هي العنوان الرئيس الذي يحتوى كل النصوص وبالتالي كل المبدعين ورعاة الأدب والثقافة من المثقفين والمثقفات الذين لم يبخلوا بجهد أو مال لرسم المشهد الثقافي عندما لم يكن سوى لوحة بيضاء لم ترسم عليها خطوط بارزة تحدد ملامح الأدب والثقافة في المجتمع، أما بالنسبة للأندية الأدبية فلم تكن إلا حكراً على عدد لا يتجاوز أصابع اليد استفاد من تفرُّده مادياً وفكرياً ومعنوياً أكثر مما يفيد النادي أو المجتمع الذي أنشأ فيه النادي. كنت أسأل بعض الأكاديميات من المتخصصات في اللغات العربية والانجليزية : لماذا لا تحضرين لقاءات النادي الأدبي في جدة في حقب سابقة؟ فكانت الإجابة المفاجأة بالنسبة لي أنهن حضرن مرة أو مرات فوجدن أن المتحدثين والمتحدثات لهم لغة خاصة بهم غير مفهومة، وكنت أظن أني الوحيدة التي لا تفهم تلك اللغة الملتوية والمتعالية المليئة بالنظريات والمقولات الغربية لأني لست متخصصة، ليس هذا فحسب بل في إحدى دورات قراءة النص في عهد الأديب عبد الفتاح أبو مدين في حفل الافتتاح كنت أتحدث مع إحدى الأكاديميات عن اللغة غير المفهومة التي استاءت هي ذاتها منها فأعددت مداخلة حول هذه النقطة لكنها نصحتنى بألا أفعل لأنهم هم اعتادوا على هذه اللغة فهم يتفاهمون بها، احترمت رأيها وصمتُّ ليأتي متحدث رئيس في أول جلسة في اليوم التالي وينتقد حديث الأمس الذي كنا نتحدث عنه وقال أنا متخصص في اللغة لكني لم أفهم كثيراً من العبارات التي تداولتموها في جلسة الافتتاح لأنكم تستخدمون مفردات المغرب العربي فلماذا تقولون كذا بينما لهجتنا تقول كذا وهكذا؟ ، فرز كثير من المفردات المستخدمة وانتقد استخدامها في المحافل الأدبية لأنها تصعب على الحضور الفهم ،كانت الصديقة بجواري نظرت إليها معاتبة ،فهمتْ نظرتي واعتذرت. هي هذه الأندية الأدبية الطاردة للحضور والمثقفين والأدباء التي يحرص ثلة من المنتفعين من إفراغها على إرجاعها قاعاً صفصفاً لا تتسع إلا لهم ،أقلقهم هذا الحراك الثقافي الذي استقطب أفراد المجتمع لأنه زلزل عروشهم وحصرهم فلم يعد المكان خاصاً بهم بل أصبح يرتاده الجميع وهذا هو ما تريده الدولة عندما تنشئ كياناً ثقافياً فهي تضعه للجميع لا تنحاز لعدد من المواطنين بدعوى أنهم يمثلون الأدب أو النقد الأدبي الذي لم يقم بدوره، والساحة الأدبية اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقولون لأنهم لا يريدون القيام بدورهم الأدبي لكنهم يريدون الاستحواذ على المبنى بدعوى أدبيته وإعادته إلى الصمت والفراغ بعد أن ضجت الحياة في أروقته. المنادون بإخراج أو إبعاد المثقفين عن عضوية الأندية الأدبية لن تبلغ أصواتهم إلا « كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وماهو ببالغه» لأن معالى وزير الثقافة والإعلام د/ عادل الطريفي يعمل على تأصيل الفعل الثقافي بالمبادرات الثقافية التي أعلنها معاليه في لقائه بالأدباء والمثقفين في أدبي جدة في تلك الأمسية الحميمة التي لم تكن حكراً على الأدباء، بل جمع من المثقفين للأسف كان الحضور النسائي ضعيفاً، لكن ذلك اللقاء تحت قبة النادي يؤكد توجه الوزارة للإبداع الثقافي وإحدى المبادرات الكبرى التي تنشغل بها الوزارة مركز الملك سلمان للإبداع الثقافي، وهيئة الثقافة،كما عرفتنا على عادل الطريفي الوزير المثقف الواعي الذي قرأ وهضم المنتج الأدبي والثقافي ويعرف الأسماء والشخصيات البارزة ثقافياً لا أدبياً كمعرفته بالأستاذ عبد الفتاح أبو مدين والدكتور عاصم حمدان وكلاهما من قائمة المثقفين لا الأدباء مع أن عبد الفتاح أبو مدين لم يكن شاعراً ولا ناقداً ولا متخصصاً في اللغات ومع ذلك نجح في إدارة نادي جدة الأدبي على مدى عشرين عاماً، فأيهما الأقرب للصواب المثقف والأديب أم اقتصار العضوية على عدد أصابع اليد ومن ليس له علاقة بالأدب والثقافة بل لأنه يحمل تخصصاً لغوياً فقط؟! [email protected]