وجّه الروائي ماجد سليمان انتقاداً مباشراً لأقسام الأدب واللغة العربية في الجامعات السعودية، معتبراً أنها تعامل طلابها مثل طلاب المرحلة الابتدائية، دون أن تقدم لهم ما يرتقي بذائقتهم الفنية والأدبية، إضافة إلى إهمالها للرواية. وأضاف سليمان في حوار مع «الشرق» أن الأندية في المملكة أصبحت حكراً على الأكاديميين في الجامعات، بينما تجاههلت الأدباء والشعراء الذين لا يرتبطون بالجامعات، مشيراً إلى أن الواجب أن يتولى إدارة الفسح الإعلامي في وزارة الثقافة والإعلام أدباء ومثقفون، لافتاً إلى أن عمله مع الراحل غازي القصيبي على مدى ست سنوات في وزارة العمل أعادت بناء شخصيته الثقافية. ووصف في حديثه دور النشر السعودية بأنها تنتهج سياسة «ادفع.. نطبع» مشيراً إلى أن هذه السياسة أغرقت السوق الروائية في المملكة. - القصة القصيرة ما زالت حتى الآن محاصرة لأنها فن ضعيف النمو حتى وإن تناولت أية قضية فهي لا تستطيع أن تعرضها كما في الرواية التي تعتبر فن تشريح وفن تنظير وبإمكانها أن تكشف أي عيب وتبرز أي جمال، لأنها في الأخير عمل قصصي، ومشكلة القصة القصيرة هي من تسلّط عليها من الكتّاب وهم لا يعون شيئاً من الأدب، لهذا تجد أن كتّاب الخواطر وكتّاب المقالات هم من أصبحوا كتّاب القصة القصيرة. - بل السبب يعود إلى الضعف الثقافي بشكل عام، ودخول كثير من الكتّاب للرواية على أنها هذيان في هذيان، ولهذا تجد جلّ ما يكتب لايمتّ للرواية بصلة. - بدأت بالقراءة مبكراً.. ولهذا القراءة هي من تخرجك إلى عالم يخصك أنت ولا يعني إلا شخصك، و»عين حمئة» أخرجتها بعد قراءتي أعمالاً كثيرة، سواء عالمية أو عربية، أضف إلى ذلك أنني لم أهتم بحجم القصة كما يفعل آخرون، وإنما أشعلت في عين حمئة شرارة الخيال، وابتعدت كثيراً عن النمطية، وابتعدت عنها احتراماً للقارئ، ويجب أن تكون الرواية مثقلة باللغة الأدبية التي تفتقدها كثير من الروايات المحلية إلا ما ندر، كروايات غازي القصيبي وعبدالرحمن المنيف وعبده خال ورجاء عالم وغيرهم، فهؤلاء يحملون لغة أدبية فعّالة راقية، بينما الأعمال الأخيرة التي أعتبرها طفرة شبابية لاتحمل من الرواية إلا اسمها. - بعد أن كتبت روايتي الأولى «عين حمئة»، توقفت ثلاث سنوات، لأن الرواية ليست كالشعر بالإلهام، فكتابة الرواية تشبه تماماً بناء الحياة، لما فيها من شخصيات وأحداث، فروايتي الثانية (دم يترقرق بين العمائم واللحى) أشعلتها أحداث الربيع العربي، لما في داخلي من الإحساس الإنساني، ولهذا حاولت فيها ألا أكون نسخة مكررة من الآخرين. - هذا الأمر مهم.. لأن بعضهم قد يعطي جواباً دبلوماسياً أن الأدب واحد ولا فرق بين رجل وأنثى، وللحقيقة فإن هذا غير صحيح، وتجد النفس النسائي أو الرجالي حاضراً في الروايات، حيث تجد الكتابة النسائية تأتي ناعمة ولا يمكنها أن تتناول أعمالاً كبيرة كالأعمال التاريخية والسياسية والمواضيع الإنسانية الكبيرة التي تتضمن أشياء لا تستطيع عاطفة المرأة الكتابة عنها، بينما الرجل قادر بقلمه دخول كافة الميادين والخوض في كل محتوى أدبي، ولاحظ أن أغلب الأعمال الكبيرة للرجال، ونجد مثال ذلك في الأدب العربي، فالمعلقات أصحابها رجال، كما أن الرجال حضروا في قصائد العشق أكثر من النساء، ولم يسجل التاريخ العربي امرأة حضرت بقوة إلا القليل، كالخنساء وولادة بنت المستكفي، بينما الرجال بالآلاف. - العيب ليس في وزارة الثقافة والإعلام وإنما في إدارة صغيرة هي إدارة الفسح، وأنا لا أعتقد أن الوزير الأديب عبدالعزيز خوجة هو من يمنع الأعمال بهذه الطريقة العشوائية، ولهذا يجب أن يوضع في قسم الرقابة وإدارة الفسح أدباء ومثقفون، هم من يتولّى عملية الفسح أو المنع، وللحقيقة فأنا أؤيد منع الأعمال التي لا تقدم شيئاً، وقد تفسد الذوق، إما لرداءة اللغة، أو لضعف الفكرة، وكلنا أمل بالقادم أن يكون أفضل، وأرجو ألا تفسح أعمالي بعد موتي. - القصيدة الرومانسية مستمرة إلى «يوم الدين»، كوننا بشراً نحمل مشاعر مختلفة، من حب وبكاء وشوق وحنين وخلافه، لهذا ميزة الشعر أنه غناء الروح، ويوحي بكل شيء، بعكس القصة، فالشعر يغنى والنثر يتحدث. - القصص جميعها تتمحور حول المرأة ككائن دافىء وكمحرك للحياة بأكملها ونعني بالمرأة الأنثى، وليست المرأة الجنس أو الشهوة أو العاملة، لهذا الأدب فن إنساني والدين لم يكن في يوم من الأيام ضد الأدب، فكعب بن زهير ألقى أمام النبي صلّى الله عليه وسلّم قصيدة البردة وتغزّل في سعاد ووصف الخمر ومع هذا لم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويسمّى هذا في السُّنة النبوية «التقرير»، ولهذا أنا ضد ما يسمّى ب«التيار الديني» لأننا جميعاً مسلمون، والإسلام لم يمنع أحداً من التعبير عن مشاعره. - الأندية قائمة بدورها تجاه الشعر الفصيح ولكنه لا يصل إلى الحد المرغوب به، كونها حكرت قاعات الأندية الأدبية على الأكاديميين في الجامعات، وحولتها إلى قاعات جامعية، بحيث لا يستقطب فيها إلا الأكاديمي، ولا يكتب فيها إلا شاعر مرتبط بالجامعة، ولهذا تجدهم أغرقوا صالات الأندية الأدبية بالبحوث والدراسات، بينما حرم الأديب العربي المحلي غير الأكاديمي من الأمسيات والنشر فاتجه إلى أن يكون نهباً لدور النشر العربية، ويجب على من يكون مسؤولا عن النادي الأدبي أن يكون أديباً وليس أكاديمياً، ولهذا نحن السعوديين أقل بلد عربي أنتج روائيين حقيقيين بمعنى فن الرواية وليس مجرد رسائل حب وخواطر وعددهم يعد على الأصابع. - مع الأسف.. الجامعات لدينا ما زالت إلى الآن تدرّس أدباً توقّف عند بداية العصر الحديث، فلا تجد في جامعاتنا دراسة عن أي أديب معاصر تدرس مؤلفاته، كما تعاني أيضاً من إهمال الرواية، وإن قدّمت فإنها لا تقدّم بالشكل الجيد، وتجد الجامعات في أغلبها تعامل الدارسين كأنهم طلاب مرحلة ابتدائية، فهي لا تقدم لهم النصوص الثقيلة ذات الوزن الأدبي المميز، وإنما تقدم لهم نصوصاً تعليمية تحث على التعاون والأخلاق والمواضيع العامة. - أرى أن الساحة الثقافية بدأت في الوقت الحالي بترتيب نفسها من خلال إعادة هيكلتها من الداخل، خصوصاً عقب قرارات وزارة الثقافة والإعلام الأخيرة، وبعد انسحاب راكبي الموجة في الأدب في كافة أنواعه، حيث بدأت الساحة تخلو للروائيين الحقيقيين. - لدي مسودة جاهزة سوف تنشر خلال عام 2015م، تتحدث عن أدب السجون، حاولت من خلالها أن أخرج عن جميع أفكار السابقين، ولدي أيضاً مجموعة شعرية سترى النور حالما أستقرّ على اختيار ناشر ملائم. - أمضيت مع القصيبي ست سنوات في وزارة العمل، كانت من أجمل أيامي، وتغيّرت تجربتي الأدبية بسببه -رحمه الله-، وجدت من خلاله الثقة في النفس، حيث كنا نعتقد من قبل أن النقد يشبه «الغول»، وحينما قرأنا أدب القصيبي ورأيناه عن قرب اكتشفت أن الإبداع دائماً فوق النقد، وهذا يجرني إلى الحديث عن شيء مهم، وهو هوية الناقد في المملكة، من يكون وماهي مؤهلاته، فنحن نجد أغلب النقاد لدينا لا ناقة لهم ولا جمل في الكتابة الأدبية، ولم يخض معركة الأدب، غير أن أحدهم مجرد أكاديمي يحاول أن ينظّر في الأدب ويسمونه ناقداً، بينما يجب أن يكون الناقد خارجاً من رحم التجربة الأدبية. - دور النشر السعودية هي الأغلى سعراً، بينما نجد دور النشر اللبنانية تتميّز برخص السعر إضافة إلى أن لديهم في كل دار نشر لجنة تحكيم للأعمال، بل تجدهم أحياناً لا يطلبون منك مالاً، ولديهم سياسة يقدمون من خلالها العمل، بينما لدينا في المملكة ثقافة «ادفع.. نطبع»، وهذا الذي أغرق السوق الروائية لدينا من قبل الناشر السعودي نفسه، ولهذا تجد جلّ الأعمال مملوءة بالأخطاء اللغوية والنحوية والكوارث الصرفية وضعف الفكرة، بينما يركز الناشر اللبناني على القضية التي تخدمه، كما تجد من دور النشر العربية الأخرى اهتماماً بالروائي والكاتب من حيث حجز صالة للعرض والمتابعة معه فيما يتعلق بالنشر، بينما نفتقد ذلك في دور النشر السعودية. - أغلب الكتب المصنفة تحت عنوان «الأكثر مبيعاً» هي لأغراض تجارية، وموجهة للسذج من الناس، ولو تفحصتها لوجدتها أكثر الكتب امتلاء بأفعال الأمر (افعل، اضرب، صل، صم، ..ومن هذا القبيل، وأغلبها يندرج تحت مسمّى «ما كثر ورقه وقل نتاجه».