الكِبرُ -والعياذُ باللهِ- داءٌ عضالٌ، يصيبُ صاحبه في قلبِهِ وخُلُقِه، فيحجبه عن الحقِّ، ويغطِّي على بصرِهِ وبصيرتِهِ، فلا يسمح له إلاَّ برؤية خياله ونفسه إعجابًا، وفوقيَّةً، ونرجسيَّةً. والكِبرُ هو الذي أخرجَ أبانا آدم -عليه السلام- من الجنَّة، ذلك أنَّ إبليس تكبَّر، فلم يسجد لآدم كما أُمر، فلعنه اللهُ وطرده، فما كان منه إلاَّ أنْ وسوس لآدم وأغواه؛ حتَّى أكل من الشجرة المحظورة، فحُرم من الجنَّة، وهبط إلى الأرض. والمتكبِّرُ مريضٌ نفسيٌّ معقَّدٌ يثير الشفقة أحيانًا؛ لأنَّه مريض، ويثير الغضب أحيانًا أخرى، لسوء سلوكه، وغلظة أفعاله، وقذارة لسانه عندما يحطُّ من شأن الآخرين لفظًا، أو سلوكًا، أو تجاهلاً، أو تعنيفًا للآخرين، خاصَّةً مَن هُم دونه مالاً، أو منصبًا، أو جاهًا. أمَّا الكُبراءُ الذين هُم فوقه، فهو لهم تابعٌ ذليلٌ، وصغيرٌ حقيرٌ. وَلَكَمْ وددتُ لو أنَّ هناك تطبيقًا إلكترونيًّا على أجهزة الجوَّال يصوّر ذلك المتكبِّر المغرور، وهو مسجَّى في قبره الضيّق، وقد بدأ الدودُ ينهش وجهه الأنيق، الذي كان يشيحه عن الآخرين غرورًا وصلفًا. ليت التطبيق الإلكتروني يحاكي الحقيقة، إلى درجة كبيرة حتَّى يعلمَ أيَّ منقلبٍ سيؤول إليه خلال أيام فقط من موته، ودفنه في المساحة الصغيرة الكئيبة. هذا الوجه الذي يحتقر الآخرين من خلاله، ويستخدمه أداة للاستعلاء الرخيص، والاستكبار الممقوت هو في طريقه -يا مغرور- إلى النهش من أرضةِ الأرض؛ حتَّى لا يبقى فيه ذرَّة لحم، بل هو في النهاية هيكلٌ عظميٌّ مخيفُ، لا يختلف عن وجوه الآخرين، حين يجري عليه الحال نفسه. ولولا أنَّه من المحظورات، أو المحرَّمات لكان من الوعظ المستقر في القلوب نصب كاميرات داخل قبور بعض الطغاة المجرمين، حين يتمَّ توثيق عمليَّة نهش وجوههم، وأجسادهم؛ ليكونوا عبرةً لمَن اعتبر، ودرسًا لمَن نظر. يا أيُّها المتكبِّرُ رويدًا.. رويدًا، فنهايتك حيث الوحشة والديدان! إنْ كنتَ قد تناسيت أنَّ أوَّلك نطفة مذرة، وأنَّ آخرتك جيفة قذرة، فلا تنسَ قصص الغابرين من المتكبِّرين أمثال فرعون، وهامان، وقارون، وآخرين تعلمهم، لكنَّك ترفض التعلّم من قصصهم، وإنْ كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب والاعتبار، من دون أولي الغرور والاستكبار. [email protected]