كلما حضرت عملية دفن ميت في مقبرة، وبعد ومضات من الحزن والألم، أعود فأستشعر أحيانًا نعمة (مصيبة الموت) لأنها في النهاية تساوي بين الجميع بلا استثناء بما فيهم ذلك العنصري البغيض أو الطاغية المتجبر أو الحقود السافل أو حتى ذلك الداعم للطغيان والجبروت بمال أو كلمة أو حتى صمت مريب. باستطاعة ذلك الغارق في العنصرية أو الواغل في دماء أنفس بشرية أن يعيشا ما شاء الله لهما أن يعيشا: أولهما يعيش مستعليًا على آخرين يحسب أنه لا يجري في عروقهم دم أزرق، والآخر يمضي عمره يفتك كيف يشاء ويقتل كيف يشاء ويتهم كيف يشاء . نعم الموت نعمة إذ يسوي بين العباد، فلا يتحسر المنعوت بسيىء القول لأن ذلك المتكبر عايره أو شتمه أو انتقص منه، ولا يحزن المقتول أو المسجون ظلماً وبهتاناً وزوراً، فالعبرة ليست بالنهايات فقط، لكن بمآل تلك النهايات. الموت يجمع، لكن العقبى تفرق. وشتان بين فريق في الجنة وآخر في السعير. لكن يظل صاحب الخسران الكبير ذلك الذي يسهم طواعية في تأييد الباطل والترويج له والبشاشة لكل ما يرفع شأنه والتصدي لكل من يقف في وجهه أو يعلن رفضه. وأحيانا يكون الدعم بالكلمة أشد وطأ من الدعم بالمال أو الجاه، ولذلك قيل: (رب كلمة قالت لصاحبها دعني)، ورب كلمة تهوي بصاحبها في نار جهنم سبعين خريفاً لأن صاحبها شارك في جريمة قتل أو موقف كِبر من حيث يدري أو لا يدري. يا صاحب القلم الظالم، ويا كاتب السطور الزائفة احذر من نقمة الله تعالى العاجلة، وويل لك من عذاب الآخرة. لا تبع آخرتك بدنيا غيرك مهما بلغ الإغراء، ومهما كثرت العروض، ومهما ظننت أنك مجرد عبد مطيع أو مأمور مسير. تباً لهؤلاء الكتبة المأجورين أو المتحدثين الناعقين الذين نسوا الله والدار الآخرة فأنساهم أنفسهم وعاقبتهم، ومد لهم حبالاً من الغرور والزخرف والافتتان بجاه كاذب أو وعد آجل أو مال زائل. [email protected]