ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، وأقر لعينه من أن يعيش سليم الصدر، وسلامة الصدر هي تلك التي تجعله صحيحا سليما من الأمراض المعنوية مثل البغضاء والحسد والحقد والضغينة ومن جملتها الكبر (بكسر الكاف) والتكبر والكبرياء في غير حق، فالكبير في صفة الله تعالى: العظيم الجليل، والمتكبر الذي تكبر عن ظلم عباده، والكبرياء: العظمة والملك، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى. أما الاستكبار فهو الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبرا، ومن أدواء النفس الخطيرة التي تؤثر في سلامة الصدر الكبر والعجب بالنفس وهو داء يمثل انحرافا خلقيا يجنح بالإنسان عن سبيل الحق، كما أن الكبر يرجع في جذوره النفسية الى شعور المغرور بالاستعلاء الذاتي على الأقران والنظراء وعلى المكانة التي يجد المستكبر نفسه فيها داخل مجتمعه، كما يرجع الى الرغبة بإشعار الآخرين بالامتياز عليهم ولو لم يكن لهذا الامتياز وجود في الواقع فهو انتفاخ بغير حق أو تصغير ما لهم بغير حق. ومن دواعي الكبر الرغبة في اخفاء ما يشعر به المستكبر من نقص في ذاته أو في عمله فهو حريص على أن يكون في أعين الناس كبيرا وألا يكتشفوا نقصه ومع هذه الرغبة يأتي السلوك الغبي لتغطية النقص انتفاخا واستكبارا فيفضح بهذا السلوك نفسه اذ يوجه أنظار الناس اليه باحثين عن حقيقة حاله. وقد عرف الحبيب عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم الكبر بأبرز مظاهره في السلوك حيث قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". وما يهمنا في الموضوع الآثار المترتبة على سلوك الكبر حيث تتولد عن الكبر الذي تصاب به النفوس أنواع قبيحة من السلوك الداخلي والخارجي فالمستكبر يجحد الحق الذي لغيره ولا يعترف به لأنه لا يريد أن يخضع إلا لهواه أو لا يريد أن يتفوق عليه أو يساويه في الامتياز أحد فحين لا يملك تغيير الواقع ما عليه إلا أن يستره بجحوده وتنقيصه وبالتعالي عليه في تصرفات وأعمال من شأنها اشعار الآخرين بأنه ذو امتياز أسمى مما لغيره. إن الغرور والكبرياء ينفخ في صدور المستكبرين حتى يروا أنفسهم عظماء كبراء وهم في واقع حالهم صغار جدا فشعورهم حول أنفسهم شعور زائف صنعته الأوهام لا يصاحبه نماء حقيقي فيما تملكه ذات المستكبر من خصائص وقوى معنوية أو مادية. ومن آثار الكبر في السلوك الظاهر الهزء والسخرية بالآخرين واحتقار الناس وازدراؤهم وحركات الغمز واللمز والهمز والتعبير بالتنقيص كما قد يكون من آثاره فضح العيوب وكشف النقائص مما يزرع بدوره الكراهية والحقد والنفور في النفوس للمتكبر، هذا علاوة على التبختر والخيلاء والمرح في المشية استكبارا على الناس وافتخارا وتعاليا عليهم، كما أن من علاماته (تصعير) الخد والإعراض عن حديث الناس. واذا كانت النصوص الاسلامية حرمت الاستكبار بغير حق وأبانت أن الكبر من قبائح أخلاق الإنسان فقد حثت في المقابل على التواضع ابتغاء مرضاة الله ورغبت في ذلك وأبانت أن من تواضع لله رفعه.