أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله عز وجل وخشيته ومراقبته في السر والعلن. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام اليوم : لقد خلق الله تعالى آدم عليه السلام بيده, ونفخ فيه من روحه, وفطره على توحيده, ثم أخذ العهد والميثاق على ذريته من بعده, بأن يعبدوه وحده لا شريك له, قال عزوجل (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ))، فمكثت الأرض بعد آدم عليه السلام عشرة قرون, لا يعبد فيها إلا الله جل جلاله وتقدست أسماؤه, إلى أن وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام, فبعثه الله تعالى بكلمة التوحيد، وهكذا كل نبي يبعث إلى قومه, يدعوهم إلى توحيد ربهم، قال تعالى (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )). وأوضح أن الله أمر عباده أن يوحدوه, وجعل التوحيد أصل الدين وأساسه, فلا تقبل حسنة إلا به, وبدونه تحبط الأعمال, وإن كانت مثل الجبال وهو حق الله على عباده وأول واجب عليهم فلا إله إلا الله .. من أجلها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وخلق الجنة والنار وقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار. وأبان فضيلته أن لا إله إلا الله هي أول الواجبات وأفضل الحسنات وأعظم مكفرٍ للسيئات فإذا اجتمع التوحيد واليقين والإخلاص عظم قدر صاحبه عند رب البريات كما أنها أطيب الكلام وأفضل الأعمال, وأعلى شعب الإيمان وأثقل شيء في الميزان وهي خير ما يُعد لِلِقاء الله تعالى فلذا أوصى الأنبياء بها عند موتهم قال تعالى (( ووصًّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )), لافتا إلى أن الموحدين هم أسعد الناس بشفاعة النبي صل الله عليه وسلم. وأفاد الشيخ المعيقلي أن النبي عليه الصلاة والسلام بنى على هذه الكلمة دعوته وربّى عليها أمته وكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها في التوحيد وكان حريصاً على حماية التوحيد من أن يناله نقص أو خلل سواءٌ كان في القصد أو القول أو العمل مشيراً إلى أن المقاصد والنيات يجب أن تكون خالصة لله تعالى وحده لا شريك له. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : إن الدماء لا تستباح بالتأويل فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم تأويلات أسامة بل أخذ ينكر عليه بشدة : (( كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )) حتى نسي أسامة رضي الله عنه ما عمله من أعمال صالحة، قبل هذه الحادثة، فتمنى أن لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم، لافتاً أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عظّم دم محارب للمسلمين قال : لا إله إلا الله، والقرائن تدل على أنه قالها متعوذا من السيف فكيف بدم مسلم متيقن من توحيده وإسلامه ؟ فقضية حرمة الدماء محسومة والنصوص فيها صريحة معلومة وتأويلات أهل الضلال مردودة مرفوضة، ولا يزيغ عن هذا إلا هالك. وفي المدينةالمنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي عن أهمية الاستقرار في المجتمعات, مبيناً أن شؤون الحياة جميعها مرتبطة بالاستقرار ولا يمكن أن تستقيم حياة بدونه, فهو مطلب منشود وحاجة ملحة, لا غنى للفرد والمجتمع عن الاستقرار. وقال فضيلته : إن الإنسان لا يهنأ له عيش ولا تنتظم له سعادة ولا ينشط لعمارة الأرض إلا في ظل الاستقرار الذي هو أغلى مطلب وأعز عطايا المعبود, لقوله تعالى : " وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ". وأضاف أن جماع نعيم الدنيا ومتاعها, واحتضان أطراف سعادتها مرهون بتوافر مقتضيات الاستقرار, لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده, عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا). وبيّن فضيلته أن المؤمن مأمور بالسعي في الأرض طلباً للاستقرار والأمان, قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ". وأكد أن للاستقرار شأن كبير وقدر جليل فقد جعله الهم وصفاً لثواب أهل الجنة ونعيمهم (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا" , وقال سبحانه " خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا". وحذّر فضيلته من الإفساد في الأرض بعد إصلاحها واستقرارها لقوله تعالى " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ". وقال إمام وخطيب المسجد النبوي, إن من أفسد في الأرض وقوّض معاني الاستقرار بدعوى الصلاح والإصلاح وأنه من أهل الحق فهو مفسد, كما جاء في قول الله تعالى " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ". وشدّد فضيلته على أن الإسلام بمنهجه الرباني ينبوع الاستقرار ومصدره, وبه يكتمل الاستقرار النفسي, والاستقرار الأمني, والاستقرار الاجتماعي, فهو يزيل أسباب القلق والتوتّر, كما قال تعالى : " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ". ومضى في بيان أهمية الاستقرار ومكانته في الدين, أن الإسلام يضع كل ما أودعه الله في الأرض من ثروات كثيرة وموارد ضخمة تحت يد البشرية لتحقيق معنى الاستقرار, فقال سبحانه: " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". وبيّن الشيخ عبدالباري الثبيتي أن كل تكاليف ومقاصد الشريعة وضروراتها جاءت لتثبيت دعائم الاستقرار في حياة البشر, ذلك أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق, ذلك أن هذه المقاصد لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا, بحيث إذا فقدت لم تجر مقاصد الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة, هي حفظ الدين والنسل والمال والعقل. وأكد فضيلته أن المجتمعات التي تنشد النهضة والرقي تبدأ بإرساء قواعد الاستقرار وهو أول ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخوله المدينة مهاجراً فقد سطّر معاني الاستقرار بكلمات الحبّ والسلام, حين قال عليه الصلاة والسلام : ( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا لطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ). وأضاف أن الأموال والأعراض جنة الله ومنحته للمؤمنين في الدنيا وأعزّ ما امتنّ الله على الأمم والمجتمعات, فقال الله تعالى : " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ". وتابع قائلاً : إنه لا يشكل عاقل أن الاستقرار أساس الازدهار والبيئة الخصبة للبناء والتنمية وعمارة الأرض, ومما يقوّض الاستقرار ويهدّد كيانه انتشار الإشاعات وفشوّ الأراجيف وتلقيها بدون روية ولا تبصّر , وهذا يثير الفتن ويؤجج الخلاف, كما أن الأسلوب الخاطئ السيئ في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي الذي أخذ مكان الصدارة في اهتمامات الناس أفرز تناقضاً في التربية, وزعزع بعض العقائد, وحطّم كثيراً من الثوابت والقيم, واختطف الشباب, وغدت هذه الوسائل بهذا المفهوم معولاً هداماً للاستقرار , وإن التساهل في تداول الحرام والتشبّع من الربا يمحق قواعد الاستقرار المالي لقوله الله عز وجلّ : " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ". كما حذّر إمام وخطيب المسجد النبوي من كفر النعمة, والتبذير والإسراف والغفلة عن شكر الله على فضله وجوده, مشدداً على أن الطغيان والبطر في النعمة وقلة الشكر مع السرف والبخل تهدد الاستقرار الاجتماعي, إذ قال تعالى " وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ". وذكر أن الأحداث من حولنا علمتنا وتعلمنا أن الاستقرار أمن لا مساومة عليه, وأن السعي لترسيخ دعائمه وتقوية أركانه, والضرب بيدٍ من حديد على يد كل مخرب ومفسد, واجب شرعي ومطلب طني, تتحقق به المحافظة على الاستقرار لترسيخ الإيمان والاعتصام بالكتاب والسنة, وتحقيق مبادئ الوَحدة, ونبذ أسباب الفرقة والخلاف, فقد قال الحق تبارك وتعالى :" وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى? وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ". وأفاد فضيلته بأن الاستقرار يتحقق ويدوم بنشر العلم الذي ينير الظلمة, ويكشف الغمة, ويبعث النهضة, ويتحقق من الأفكار والشبهات والوقوع في الإفراط والتفريط, فالعلم أساس سعادة الفرد ورخاء الشعوب, قال تعالى " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ", مضيفاً أن الاستقرار يدوم كذلك بذكر فضل الله تعالى وشكره, فقال تعالى : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ".