بعد حادثة إطلاق النار على طبيب النساء والولادة في أحد مستشفيات مدينة الرياض من قِبل زوج إحدى المريضات، غصّ «تويتر» بتعليقات تناولت القضية من زوايا مختلفة وصلت من قبل البعض حد تبرير الجريمة ومحاولة تصويرها أنها «قضية غيرة وشرف». لكن من المعلوم أن القضية ليست فردية، والحادثة ليست عَرضية، فهي تتويج لحوادث مماثلة يتم فيها بشكل يومي الإساءة إلى الطواقم الصحية والطبية وإهانتهم من قبل المرضى أو ذويهم وأصدقائهم، لعوامل من ضمنها احتقانهم من تردي الخدمات المقدمة إليهم نتيجة فشل الإدارات الطبية في تحسينها، كما في دراسة تم تطبيقها على عينة من الممارسين الصحيين في مشفيين من مشافي الرياض، تم نشرها في المجلة السعودية للطب الباطني عام 2012، أظهرت نتائجها تعرّض (67.4%) من العاملين فيها إلى العنف والإساءة!!. وفي السياق نفسه، وصلتني رسائل من زملاء يشتكون فيها من غياب آلية رسمية واضحة يُستند إليها حال وقوع إساءة لفظية أو اعتداء بدني على الممارس الصحي، ناهيك عن غياب قانون ضد التحرّشات التي يتعرّض لها كثير من الموظفات والعاملات في مجال الصحة من بعض المرضى أو ذويهم وخاصة في أقسام الطوارئ. ومن العجيب تقليل بعضهم من الاعتداءات على الطواقم الصحية بحجة أن معظمها «إساءة لفظية» وليست بدنية، فأقول: إن الإساءة اللفظية على الطبيب في مُجتمعات أخرى عقوبتها السجن، وأن مجرّد التعدي اللفظي على أي إنسان فيها يُعامل كجُرم ولا يتم تمريره على أنه «زلة لسان» تتكالب بعدها الضغوطات على المعتدى عليه لتنتهي «بالتنازل»!! كما أن الخطأ الطبي - حال ثبوته أصلا - ليس مبررًا أبدًا لأي أحد أن يعتدي بنفسه على مُرتكب الخطأ، إلا في قانون الغاب!. وأختم بنتيجة استطلاع رأي سريع في تويتر، أظهر أن (75%) من الممارسين الصحيين المشاركين فيه تعرّضوا للاعتداء بمختلف أشكاله من المرضى أو ذويهم، والأدهى أن (85%) منهم تم إهمال شكواهم من إداراتهم الطبية، ولم يلقوا دعمًا معتبرًا منها. القضية في نظري خللٌ واضح في الفكر والسلوك والمرجعية الثقافية لفئات اجتماعية، وانحدار واضح في القيم الأخلاقية لكثير من الأفراد، ناهيك عن كونها تدهورًا في الأنظمة الحقوقية التي من المفترض أن تحمي الممارس الصحي في بيئة عمل يأمن فيها على نفسه وعرضه، وتنتظر عاجلا إصدار أنظمة وقوانين واضحة رادعة تحفظ لجميع الأطراف حقوقهم في المُنشآت الصحية. [email protected]