في ظل الأوضاع المضطربة التي يعيشها المجتمع العربي وفي ظل الممارسات الفسادية المتنامية التي تنخرجسده ، يبقى الفكر الشاب المتوشّح بسلاح المعرفة البناءة المتفاعلة المتجددة شبه موءود من قبل البعض من المتوشحين بالأقنعة الملوّنة الذين يختبئون خلف سلطتهم وكراسيهم المتجذرة ليمارسوا دورهم اللامحدود في ذلك الوأد من خلال سدّ الأفق وتعطيل المسارات كي يحلو لهم المكان لممارسة حبهم الأبدي للعلو على الأكتاف والغلو في الالتفاف على كل ما هو مبدع وجديد . إنها حالة تقادم وجودها وحان الوقت المناسب لزوالها وبدء مرحلة جديدة يحتل فيها الفكر المبدع والعقل الرزين والسلوك الوسطي مكان الصدارة .إنها حالة محزنة دعت الكثير من المبدعين والموهوبين ان يعيشوا عند مفترق طرق لا خيار لهم غيره وهو إما أن يهاجروا بفكرهم المبدع إلى أمم أخرى تحترم وتقدّر وتشجّع ذلك الفكر فتمنحه كافة الدعم المادي والمعنوي وبالتالي يصبح مُلكاً لها تتخذ منه منطلقاً جديداً للنمو والانطلاق الحضاري وإما أن يوأد ذلك الفكر وتسدّ منابعه فيموت قبل موت صاحبه وإما أن يتجه ذلك الفكر المبدع باتجاهات أخرى سلبية تخدم الشّر وتبني مساراته . فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول التقرير الإقليمي لهجرة العمل الذي أعدّته الجامعة العربية بدعم من صندوق الأممالمتحدة للسكان عام 2009م وبيّنته نشرة أفق الإلكترونية التي تصدرعن مؤسسة الفكرالعربي في عددها 41 يقول التقرير: إن فرنسا تستقبل 40% من العقول العربية المهاجرة وأمريكا 23% وكندا 10% وتكشف دراسات أخرى للجامعة العربية أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية وأن الأطباء العرب في المملكة المتحدة يمثلون 34% من إجمالي عدد الأطباء هناك وأن 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15 من العلماء يهاجرون إلى أوروبا وأمريكا وأن أكثر من مليون خبير عربي مختص من جملة الشهادات العليا والفنيين المهرة يعملون في الدول المتقدمة كما يقول التقرير إن اجمالي الخسائر والأضرار المقدّرة لهجرة تلك العقول لعام 2003م بلغت أكثر من 300 ملياردولار كما يفيد التقرير أن حالة التّنامي لتلك الهجرة بلغت عام 2010م مليون دماغ مبدع وذكر التقرير أيضاً أن دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية قالت إن الكثير من الدول المتقدمة كأمريكا مثلا تشجع العقول والأدمغة العربية كإصدار الكونجرس قراراً برفع عدد بطاقات الإقامة للمتخرجين الأجانب في مجال التكنولوجيا المتقدمة من90 ألفاً إلى 310 آلاف.ما طرحته سلفًا هو جزء من التقرير ولنا أن نتوقّف عند محتواه من الأرقام المذهلة والمخجلة التي تؤكد على مدى الحرب الشعواء التي يشنها بعض القائمين على المجتمعات العربية على العقول المبدعة ولنا ان نتوقّف كثيرا عند من استثمرذلك الفكر في الإضرار بأمن الأوطان وتخريبها. ولنا أن نتوقّف كثيراً عند الكثير من العقول المبدعة التي تعيش بيننا في العالم العربي بعد أن ضمرت عقولها ووئدت حية وانتهى بها المطاف إلى الوفاة قبل أصحابها! . إنها دعوة أوجهها لكي يلتفت القائمون على الأمر في مختلف الأوطان العربية لاستثمار تلك العقول في البناء وأن تتولّى جامعتنا العربية فتح المسارب الفكرية التي تخدم تلك العقول وتفتح الأبواب أمامها وليكن ذلك منطلقا جديداً لجامعتنا العربية الموقرة لتفتح آفاقًا جديدة ترفع أسهمها بعد أن عانت من نواتج التراجع في خدماتها .