في الماضي كان مجرى الحديث عن المنطقة العربية خلال الانتخابات يأخذ في الاعتبار أهمية إيجاد حل للقضية الفلسطينية وأهمية مصادر الطاقة البترولية التي تعتمد عليها أمريكا لضمان قوة اقتصادها واستمرار رخائها. وكل مرشح في الماضي يعد بحل للقضية الفلسطينية لا يخل بأمن إسرائيل كما يعد بالعمل على تقليص اعتماد أمريكا على بترول العرب. وكلا الأمرين مرتبط ببيع الأسلحة لتبقى المصانع واليد العاملة شغالة والاقتصاد منتعشاً ولاسترداد أكبر قدر من المال الذي يسجل في حسابات الدول البترولية بالدولار لضمان استقرار سعر الصرف وصحة الخزينة الفدرالية في أمريكا. من بداية الحملة الانتخابية الجارية حالياً تركز اهتمام المرشحين على محاربة الإرهاب والحذر من التورط في حروب المناطق الساخنة في العالم العربي وإلقاء بلائمة الفوضى المدمرة التي اجتاحت المنطقة من بداية العقد الثاني من القرن الحالي على الدول العربية المستقرة أمنياً مثل دول مجلس التعاون الخليجي. ولم يعد أحد مهتماً بحل الدولتين الذي أعلن عنه جورج بوش الابن خلال ولايته ولا عن الفكاك من الاعتماد على بترول العرب. فحصون الممانعة تهاوت وأسعار البترول تراجعت بنسبة ستين في المائة وفي المقابل ارتفعت وتيرة الإرهاب وأصبح ينظر لكل عربي ومسلم على انه متهم حتى تثبت براءته. وأطروحة الفوضى الخلاقة التي ابتكرتها كوندليزا رايس وزيرة خارجية امريكا سابقاً أتت لتبشر بالأمن والديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط بعد التخلص من صدام حسين ولكنها تحولت إلى حروب أهلية لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية وكيسنجر يصفها بأنها حرب عالمية ثالثة بدون تدخل ساخن من أمريكا وحلفائها في الغرب. وإسرائيل المستفيد الأكبر من كل ما حل بالمنطقة من بداية القرن الحادي والعشرين وهي المسبب الرئيس لكل مشاكل المنطقة أيضا من بداية القرن العشرين بدون منازع. الصحوة السياسية التي أقدمت عليها دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية بداية بالتركيز على إيران التي عملت على تطويق دول المنطقة بعد أن تمكنت من السيطرة على العراق وتوغلت في سوريا ولبنان تصدت لها عاصفة الحزم في اليمن وأحبطت المخطط الذي كانت إيران تسعى لتحقيقه. كما أن تلك الصحوة كشفت العلاقة الخفية بين ايران وإسرائيل المتفقة على الهيمنة على المنطقة كل من زاويته.إيران من خلال الطائفية والميلشيات وإسرائيل من خلال تعميق الانشقاق في صفوف العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص وابتلاع المزيد من أراضيهم وتماديها في الإجرام ضد السكان العزل منتعشة بما يفعله الأسد في الشعب السوري من قتل وتشريد وتدمير. المعرفة العميقة التي تملكها أمريكا عن المنطقة والمحركات الرئيسية في كواليس السياسة المحلية لكل دولة تستطيع أن تقرأ الرسائل المستجدة من وراء عاصفة الحزم ورعد الشمال وضخ الدماء الشابة في أوردة السياسة المحلية. والفائز في الانتخابات القادمة سيضطر للتعامل مع عالم عربي متغير قد يجبره على تغيير موقف امريكا وفشلها في حل القضية الفلسطينية والتقارب مع ايران على حساب العرب. [email protected]