سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الانتخابات الأمريكية والشأن العربي المقارنة بين خطورة إسرائيل وإيران على المنطقة معادلة صعبة، فكلاهما له أطماع، ويسعى للهيمنة على المنطقة، وتفتيت الصف العربي واستنزاف قدراته
في مثل هذا الوقت -كل أربع سنوات- تنشغل الصحافة العربية بالانتخابات الأمريكية، وتبرز التوقعات والرهانات حول من سيفوز بمقعد المكتب البيضاوي في واشنطن.. وتكثر التكهنات عن توجهات السياسة الأمريكية خلال ولاية الرئيس الجديد أو من يُعاد انتخابه. في عام 2008م كان هناك آمال وتوقعات كبيرة؛ إذا فاز باراك اوباما بالرئاسة، حيث اعتقد البعض من السياسيين والمحللين بأنه سيكون الأقرب لتفهم وجهات النظر العربية في قضيّتهم الكبرى -فلسطين- والنزاع الذي طال أمده بدون بريق أمل في الأفق لإنصاف الشعب الفلسطيني من محتلٍ مجرم، دمَّر الأرض وشرَّد أهلها وتَمادَى في جبروته وطغيانه.. كل ذلك لم يكن ممكناً بدون الدعم الأمريكي المطلق.. ومع كل انتخابات يتعلَّق العرب بخيط البشبشانة، على أمل أن يظهر رئيس أمريكي يستطيع وضع حد للإجحاف الأمريكي في حق الشعب الفلسطيني، ولكن كل الآمال والتمنّيات تتبخّر، وقد استمر العرب في الجري وراء السراب من بداية القرن العشرين حتى هذه اللحظة. في هذه المرة غيّبت القضية الفلسطينية من شاشات الرأي العام الأمريكي، متجاهلين -عن قصد ورضا- القضية وأهلها، تاركين العرب يتعثّرون في وحول غضب الربيع العربي الذي يُراقب الأمريكان تطوّراته بحذرٍ شديد تخوّفاً من إفرازات تؤثِّر على المشروع الصهيوني، والمنافسة من قبل الأقطاب الكبار، مثل الصين وروسيا في الصراع على منطقة الشرق الأوسط. حظوظ الحزب الديمقراطي هذه المرة بقيادة أوباما للفوز بولاية ثانية تقف على الحافة، ولكن الحزب الجمهوري بمرشح جديد من جماعة دينية يميل موقفها إلى المحافظين الجدد وتوجهاته لن تخالف خط المحافظين المتطرف فيما يتعلق بدعم أمريكا المطلق لإسرائيل، والمرجح أن أوباما سيفوز ويقود السياسة الأمريكية لأربع سنوات مقبلة، ستكون مضطربة فيها، ومن المتوقع أن يشهد العالم العربي مزيداً من التغيّرات التي قد تخلّ بموازين القوى في المنطقة. إسرائيل تلوّح بضربة استباقية للمفاعلات النووية الإيرانية، والأخيرة تتوعد بالرد الموجع للمصالح الأمريكية، وكل من يُساعد على ضربها، والدول العربية تتمنَّى التوصل لاتفاق لجعل المنطقة خالية من السلاح النووي، وإبعاد شبح ويلات الحروب عنها لكي يسود السلام والاستقرار بدلاً من النزاعات وأجواء الحروب، حتى توظّف الإمكانات للتنمية المستدامة، ورفع مستويات المعيشة والتصدي لتحديات الجهل والفقر والمرض. والمقارنة بين خطورة إسرائيل وإيران على المنطقة معادلة صعبة، فكلاهما له أطماع، ويسعى للهيمنة على المنطقة، وتفتيت الصف العربي ورفع درجات التوتر واستنزاف قدراته، ولكن الوجود الصهيوني يظل هو الأخطر لأنه رأس حربة الغرب في المنطقة، ويعمل بطرق منظمة ومنتظمة على تفكيك وإضعاف كل دفاعات العالم العربي. إيران بحجمها السكاني وموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية بإمكانها أن تكون دولة صديقة ومسالمة لدول المنطقة، تُركِّز على شؤونها الداخلية وتبتعد عن مناكفات جيرانها واستعداء العالم ضدها، ولكنها لم تُوفَّق في هذا السبيل، وهي أيضاً تحاول أن تتوغل في العالم العربي من نافذة الخلاف المذهبي لكي تفرض هيمنتها على المنطقة. وفي ظل هذه المعطيات، قد يرى البعض أن استمرار العالم العربي في القرب من أمريكا تمليه المصالح المشتركة، ولكن الواقع أن الرهان عليه بالكامل محفوفاً بالخطر بسبب الانحياز المطلق لإسرائيل -العدو الأول للأمة العربية- وبسبب التقلبات والتغيرات الحزبية ورفع درجات التوتر التي يحكمها جو السياسة الأمريكية الداخلية الذي تتحكم فيه الصهيونية العالمية، ولم يستطع العرب تحقيق أي نجاح يُذكر –حتى الآن- لمجابهة ذلك التحدي، وكل رئيس يأتي إلى البيت الأبيض يكرر نفس الوعود المشروطة بحماية أمن إسرائيل مهما كان الثمن، والعالم العربي يستسلم للأمر الواقع. إن الصمت العربي خلال الانتخابات الأمريكية الجارية مصدره ما يدور على أرض الواقع في المنطقة العربية، ولكن يخطئ مَن يَظن من الأمريكان وغيرهم أن العرب نسوا قضيّتهم الكبرى، أو أن كبواتهم الراهنة ستُغيِّر من نظرتهم للقدس، وما حلّ بها من ظلم وعدوان، بسبب الدعم المطلق لإسرائيل، طالما أن الشعب الفلسطيني مُصِرٌّ على أنه لن ينسى!. [email protected]