خطاب باراك أوباما الأخير لم يخرج عن التقليد الأمريكي المعهود، فالمصالح والسياسة، والقوة؛ تطغى على كل الاعتبارات الأخرى في منظور الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي أصبحت -منذ أن أسس الكيان الصهيوني- أسيرة للوبي اليهودي، الذي يتحكم في كل مفاصل السياسة الأمريكية، والرئيس باراك أوباما لن يشذ عن القاعدة، فهو أشد أسراً بسبب خلفيته العرقية كأول رئيس من أصول إفريقية يصل إلى البيت الأبيض. وكابوس القضية الفلسطينية المخيم على الشرق الأوسط من بداية القرن الماضي لن ينتهي، ما دامت أمريكا ومن على شاكلتها لا ترى إلا ما تراه إسرائيل. فأمريكا الراعي، والحامي، والضامن المكين، لذلك الكيان الذي زُرِعَ في قلب العالم العربي، ليكون رأس حربة لسياسة أمريكا وحلفائها في المنطقة، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وأياً كانت الذرائع، ومهما سبَّبت من المعاناة لأهل الأرض ولحياتهم، وأشجارهم، ومزارعهم، ومياههم! لا شيء يهم بالنسبة لأمريكا ما دامت الصهيونية تؤدي الدور المطلوب منها بامتياز. تذهب إدارة، وتأتي أخرى، ويعين مبعوث ويستقيل، ويأتي آخر، ولا شيء يتغير إلا صور القادمين والمغادرين أمام عدسات الإعلام، ومصوري الصحف من أجل رفع العتب، وتوهم بأن هناك محاولات تجري لحل النزاع وإعادة الحقوق لأصحابها.. كل ذلك بدون جدوى ولا نتائج تذكر، لأن أمريكا لا تريد حلاً، وإسرائيل لم تستطيع استكمال جريمة التطهير العرقي، كما ترى أنه لا يتم إلا بطرد كل الفلسطينيين من أرضهم، وهذا لن يتحقق مهما طال زمن النزاع، ومهما كان جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تقف ورائها أمريكا بكل ما أوتيت من قوة. بعد مجيء باراك أوباما رئيساً لأمريكا ظن الكثيرين بأنه سيغير توجهات أمريكا تجاه النزاع العربي الإسرائيلي، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى بدأت تلوح في الأفق خيبة الآمال بعد زيارات مبعوثه السيناتور ميشيل الذي قيل إن أمه من أصل لبناني، وسيكون أكثر تفهماً لمعاناة الشعب الفلسطيني، ويعطي صورة عادلة للرئيس الجديد، وكما شاهدناه وهو يتبادل ابتسامات المودة مع القادة الصهاينة في كل مرة يزور المنطقة، ويعود بخفي حنين كما يقول المثل العربي. أمريكا تدعي أنها محايدة في صراع الحق فيه واضح ولا يحتاج إلى حياد أو انحياز، إلا لإحقاق الحق كما يجب. وقد استمر السيناتور ميشيل في مفاوضاته مع الجانبين أكثر من عامين، ولم يحقق أي نتيجة، وبعدها قدم استقالته ليترك المشهد لمفاوض أمريكي آخر يبدأ من جديد وليس من حيث انتهى إسلافه، لأن أمريكا وإسرائيل تريدان تضييع الوقت حتى تحتوي على مزيداً من الأراضي وتشرد أكبر عدد من الفلسطينيين. الصهاينة يراهنون على مرور الزمن ونسيان القضية، والعرب يراهنون على أمريكا التي اقتنع العرب منذ عهد رئيس مصر الراحل محمد أنور السادات بأن كل مفاتيح الحل بيدها، والفلسطينيين يراهنون على تفهم العالم لقضيتهم العادلة. كل ذلك لم ولن يجدي، لأن الضامن يحمل معه مفاتيح الفيتو والضحية ظهرها مكشوف، والخلافات الداخلية مستمرة، والعمق العربي مشتت، والحل الوحيد هو العودة إلى الكفاح المسلح وفق خطط مدروسة على كل المسارات. لا أحد يتوقع أن تتغير السياسة الأمريكية، بعد حصار غزة والحرب عليها قبل عامين، وتقرير جولد استون الذي أدان الممارسات الوحشية من قبل الصهاينة، ولكنه عاد لينسحب -تحت ضغوط صهيونية- من مسؤولية التقرير الذي رفعه لمنظمة حقوق الإنسان، وبعد كل هذا لا حل للقضية بالطرق السلمية. إن الرهان على تدخل محايد من أمريكا مجرد سراب، كلما اقتربت منه ابتعد، وكل ما تقوله أمريكا عن حيادها في هذه القضية هو ظلم ومخالف للحقائق على أرض الواقع وتزييف للتاريخ. إن المشروع الذي تعده السلطة الفلسطينية بتأييد من الدول العربية إلى الجمعية العمومية لإعلان دولة فلسطين على كامل الأرض التي احتلت في عام 1967م هو الطريق الصحيح في هذه المرحلة، لأن أمريكا لا تملك حق الفيتو في الجمعية العمومية والجو الدولي العام في هذه المرحلة مهيئاً، يدعمه ما يحدث على الساحة العربية الذي لن يكون في صالح إسرائيل مهما كانت النتائج. وفي ظل أجواء الربيع العربي، وتمسك أمريكا المطلق بحماية إسرائيل -مهما كانت أفعالها الإجرامية- فإن الفرصة مواتية لكل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في (الأردن، ولبنان، وسوريا) الزحف على الحدود الإسرائيلية من كل الجهات ليدخلوا أرضهم، يصاحب ذلك انتفاضة من الداخل تضع العالم أمام أمر واقع، ويكون ذلك متمماً لما حصل في تونس ومصر من إنجازات فتحت أبواب المستقبل على مصراعيه من أجل إحداث تغيير وإصلاحات تعيد الحقوق إلى أصحابها، وتوضع السياسة الأمريكية على المحك، فإما أن تقف مع التظاهرات الفلسطينية ضد الإرهاب الإسرائيلي، وإلا تتراجع في مواقفها التي أعلنت عنها ضد الأنظمة التي تضطهد شعوبها! وينكشف القناع عن ازدواجية المعايير التي ضللت بها شعوب العالم ردحاً من الزمن. [email protected]