المبادرات السعودية الجريئة تفاجئ الجميع ، أصدقاء وأعداء ومتفرجين .. البعض يقلل من أهميتها لمداراة خشيته مما يمكن أن تسبب له من ضرر، والأكثرية ترى فيها سياسة سعودية فاعلة ستقود إلى نتائج لصالح العرب .. وآخر هذه المبادرات « رعد الشمال « الذي شاركت فيه قوات عشرين دولة ، بحضور رؤساء تلك الدول في حفر الباطن شمال المملكة ، ومناورات عسكرية ضخمة بأسلحة متقدمة . الدول الكبرى سعت لسنين طويلة وخاصة منذ الحرب العالمية الأولى إلى أخذ وتنفيذ المبادرات التي تصيغ كيانات منطقة الشرق الأوسط وعدد من الدول الإسلامية الأخرى بالشكل الذي يناسب هذه القوى العالمية .. شاركت في ذلك بريطانيا بإقامة باكستان وبنجلاديش والهند وماليزيا وغيرها ، وتعاونت مع فرنسا في تقسيم المنطقة ضمن ما سمي باتفاقيات سايكس بيكو .. ثم دخلت في النصف الثاني من القرن العشرين أميركا في لعبة ( إعادة بناء ) المنطقة بعد خروج الأوروبيين من قائمة الدول الكبرى . وتصرف الأميركيون وكأنهم أصحاب الحق في عالمنا ، وأطاحوا بصدام حسين وفتحوا الأبواب لكهنة إيران ليدخلوا العراق وشجعوا على تمزيق سوريا وليبيا وسعوا إلى إعادة ( تركيب ) الوضع في مصر واليمن وتونس وكادوا أن يمزقوا ما تبقى من نظام وأمن قائمين في كافة العالم العربي . المبادرة السعودية التي تمثلت في « عاصفة الحزم « كانت الإعلان السعودي الأول عن الرغبة في أن نتولى أمرنا بأنفسنا ، وسحب البساط عن التدخلات الأجنبية وتولي حماية منطقتنا .. وتوالت المبادرات السعودية برفض نصوص في الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني لأنه يعطى ضمناً حقاً لإيران ، ليس لها ، في الهيمنة على منطقتنا وتولي أمرنا بالتعاون مع الأميركي الذي رغب في إدخال مفاعيل جديدة يعتقد أنها ستؤدي إلى غربلة الوضع في المنطقة لخلق واقع جديد يأمل أن يكون مناسباً له أكثر من الحالي .. ودخل الروس إلى المنطقة معلنين رغبتهم باستخدام قوتهم العسكرية للمشاركة فيما يخطط الأميريكيون له فيها . ليبيا لم تمت حتى الآن .. العراق لم يتقسم بشكل كامل .. وسوريا لم تتمزق بشكل رسمي هي الأخرى بعد .. والأمور لم تستقر في تونس واليمن بل وحتى مصر بعد مفاجآت ( الربيع العربي ) ، وتدخلات الرئيس الأميركي أوباما .. وكان يمكن للأمور أن تسوء أكثر مما هي عليه لو لم تقف السعودية وشقيقاتها الخليجية لحماية الوضع في مصر ولو بقيت ساكتة ،وكهنة إيران يخططون عملياً للسيطرة الكاملة على اليمن .. ولو لم تبادر المملكة وحلفاء لها إلى شن مبادرة ( عاصفة الحزم ) التي أوقفت المد الإيراني في اليمن لصالح الشرعية اليمنية ، لكان الوضع أكثر دموية ومأساوية مما أصبح عليه . الرئيس الأميركي أوباما ، الذي تتحمل إدارته مسئولية كبيرة في الانهيار الحاصل بمنطقتنا والصعود غير المقبول للدولة الفارسية ، خرج مؤخراً في لقاء مع مجلة أميركية يبرر سياساته ومما قاله إن حلفاء وأصدقاء أميركا يطالبونه بالعمل بطريقة لا يقبل بها ، بينما لا يقومون هم بأي خطوات فيما ينادون أميركا القيام به .. والمبادرات السعودية الجريئة ترد بحسم على هذا القول حتى قبل أن يتفوه به ، وكل ما نطمع فيه أن لا يقف أوباما نفسه حجرعثرة في وجه هذه المبادرات . [email protected]