تتعرض المملكة العربية السعودية هذه الأيام لهجوم إعلامي مُمنهج من أمريكا والغرب، تصاحبه تحركات سياسية وخطب برلمانية ومواقف معادية قد يعجب لها كل من كان يظن أن كلمة (حليف) تعني المؤازرة والمساندة، خاصة في الشدائد. لكن هذا السخط الإعلامي ليس جديدًا على العلاقة السعودية الأمريكية/الأوروبية، فالغرب صديق المصالح وليس صديق الدول ولا الحكومات، وهو يصافح فقط ليتحسس معالم الكف ونقاط ضعفها، ويبتسم فقط ليعرف عدد الأسنان ومدى حدتها. ولماذا نتعجب من الهجوم الحالي ونحن ما زلنا نذكر كيف استدار الأمريكان ومن خلفهم أوروبا ضد السعودية وسلطوا آلياتهم الإعلامية لصب الغضب والتشنيع عليها بعد أن وضعتها أمريكا في فم المدفع وعلقت تبعية سقوط البرجين في 11/ 9 على عنقها؟ في تقييمه للأوضاع حينها كتب الدكتور غازي القصيبي - غفر الله له- تعليقًا في كتابه (أمريكا والسعودية): «من الممكن القول أنه وباستثناء مصر أيام قناة السويس، والعراق أيام غزو الكويت، لم تتعرض أي دولة في العالم كله لهجوم عنيف مُركّز من الإعلام الأمريكي والغربي يماثل الهجوم الذي تعرضت له المملكة». مهما تعمقت علاقة الصداقة مع أمريكا وطالت مدتها، فمن السهل عليها في لحظات أن تقفز إلى الوراء وتحول صديقها إلى عدو لدود. لهذه الحملة المسعورة والمستعرّة ضد السعودية أكثر من سابقة، والغضب الذي استثاره الملك فيصل -رحمه الله- حين قطع البترول عن الأمريكان في السبعينيات من القرن الماضي أظهر الوجه القبيح للإعلام الأمريكي الذي هاجم المملكة بكل ما أوتي من قوة وكال لها التهم. ها نحن نعيش وقائع الموجة الثالثة وما زلنا نسأل نفس السؤال: «ما الذي يمكننا فعله لمواجهة الحملة (هذه المرة!!)؟». حسنًا، ما الذي يفعله الإعلام الأمريكي ما بين الثلاث موجات الأشد شراسة: في حادثة البترول، وفي حادثة البرجين، وفي الوضع الحالي؟ هل يا تُرى يستعيد الإعلام الأمريكي توازنه ومصداقيته ويرسم لنا صورة عادلة في أيام المحبة والسلام؟ بالطبع لا. وتيرة الهجوم علينا ترتفع وتنخفض، لكنها لا تتوقف أبدًا. لقد صاغ لنا الغرب قالبًا يستنسخ منه صورتنا النمطية القبيحة والسلبية التي رسم ملامحها منذ عصور. ربما لا يكون القالب سعوديًا بحتًا، لكنه قالبًا يشمل كوننا مسلمين، وكوننا عربًا، وكوننا خليجيين، ثم كوننا سعوديين. الكلمات التي تصف الشر في الإسلام والعنف في التعامل والجلافة في الخلق هي نفسها التي تشوه المسلم اللاجئ الذي رفض ترامب استقباله في أمريكا، وهي صفات العربي وصفات الخليجي، لكن يعتمد من منهم بالتحديد سيأتي دوره ليكون في بؤرة الاتنقاد الجارح. لقد تمت شيطنة وتوحش المسلم/ العربي/ الخليجي/ السعودي في مؤسسات السينما في هوليوود منذ أول فيلم صامت في عام 1921، حيث أدّى رودولفو فالنتينو دور (الشيخ) الماجن فاحش الثراء المهووس جنسيًّا، وظهرت أول كلمات لعربي على الشاشة الأمريكية: «عندما يرى العربي امرأة تعجبه، فإن العربي لابد أن يحصل عليها». تتضافر كل وسائل الإعلام والترفيه في الغرب منذ العشرينيات لتلطيخ سمعة العربي المسلم، وتصدر من خلاله الخليجي/ السعودي كنمط الشرير الجلف، وتصوِّب نحوه نقدها الشرس المحموم لقهرها من الوفرة المالية التي يتمتع بها، وهي تُشيطنه حين تشاء، وتسخر منه حين تشاء، وتبقي النمط بذلك جاهزًا ومستعدًا لارتداءعباءة العنف والإرهاب. لم تختف الهجمات المسيئة للسعودية عن الساحة الإعلامية مطلقًا، هي فقط تهدر بهدوء لتُبقي سمات النمط حية ومتماسكة، ثم ترفع موجتها العاتية في الأزمات، معتمدة على أن كل مشين وكل شنيع يتماشى ويتناسب مع تلك السمات التي تم تأسيسها وتثبيتها بشكلٍ مستمر، فتطلق ادعاءاتها بلا إنصاف ولا دقة. أما نحن فنتجاهل الهدير الهادئ المستمر كما نتناسى الهجوم الناسف بمجرد مروره، ثم نسأل من جديد، ومع كل أزمة: ما الذي يمكننا أن نفعله في مواجهة هذا الهجوم؟!