في عام 1906م، قامت احتجاجات شعبية واسعة في إيران ضد أسرة القاجار الحاكمة، من أجل الديمقراطية والحرية، الأمر الذي أجبر الملك مظفر الدين شاه على الموافقة على العديد من التنازلات، من بينها: السماح بوضع دستور للبلاد وإجراء انتخابات وإنشاء برلمان. إلا أنه بعد وفاة الملك، جاء ابنه محمد علي شاه للحكم، الذي كان كارهاً للديمقراطية وقرر سحقها، فحل البرلمان في عام 1908م، وأرسل وحدات مدفعية يقودها الروس لقصف مباني البرلمان، وقتل عدداً كبيراً من النواب. وقام كذلك الشاه بسحق الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، ولكن ظلت مدينة تبريز عصية عليه، فقرر محاصرتها وقصفها وتجويع أهلها حتى يقضي على الاحتجاجات. كان يوجد في مدينة تبريز الإيرانية مدرس أمريكي شاب يدعى هوارد باسكرفيل، الذي قدم للمدينة للتدريس في عام 1907م، وكان له تأثير كبير على تلاميذه، حيث كان من أكبر المدافعين عن الديمقراطية والحرية. قام باسكرفيل في عام 1909م بإنشاء قوة من المتطوعين لمحاربة جيش الشاه، والدفاع عن الديمقراطية، رغم تحذيرات السفير الأمريكي له بعدم الانخراط في أي نشاط معادٍ للحكومة الإيرانية. ولكنه لم يستمع لتلك التحذيرات، وقام واتباعه بمهاجمة جيش الشاه، إلا أنه أصيب برصاصة توفي على إثرها، ليتم تشييعه في جنازة مهيبة في تبريز. وقد زادت وفاة باسكرفيل من زخم ثورة الديمقراطية، لتصبح حركة وطنية كبيرة، والتي أجبرت الشاه على التنازل عن العرش بعد ثلاثة أشهر من مقتل باسكرفيل، ليعود بعدها البرلمان للانعقاد، ويتصدر تمثال باسكرفيل التذكاري صالون المقر الدستوري في مدينة تبريز كبطل قومي، رغم جنسيته الأمريكية. في تلك الفترة بالأمس البعيد، وتحديداً في عام 1907م، قامت روسيا وبريطانيا بتوقيع ميثاق تقاسمتا بموجبه إيران ونهب خيراتها، حيث كانت أسرة القاجار الحاكمة ضعيفة وألعوبة في أيدي القوتين. واليوم، ولحماية وتعزيز مصالحها في إيران، وقعت القوى العظمى، بقيادة أمريكا الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015م، والذي يلزم طهران بوضع قيود على برنامجها النووي، مقابل رفع العقوبات عنها تدريجياً. وبموجب الاتفاق، فإنه سيتم فك تجميد مليارات الدولارات الأمريكية في البنوك الأجنبية لصالح نظام إيران القمعي، بالإضافة إلى إعادة تصدير النفط وفتح أبواب التجارة وغيره، والذي سيزيد من دخل النظام الإيراني وقوته. ورغم التطمينات الأمريكية لدول المنطقة بأن توقيع الاتفاق النووي مع إيران سيحد من تدخلاتها في دول الجوار ويساعد على استقرار المنطقة، إلا أن الوقع شيء آخر، حيث أن نظام الملالي مازال يتدخل في شؤون دول المنطقة ويقمع شعبه الفقير الذي يحلم بالديمقراطية الحقيقية، والذي يعلم بأن الأموال القادمة للدولة بعد توقيع الاتفاق النووي لن تحسن من وضعه، وإنما ستذهب لنظام الملالي والمليشيات الإرهابية في المنطقة والحكومات القمعية، لزعزعة أمن المنطقة وبسط النفوذ الإيراني. اليوم النظام الإيراني زادت بجاحته ، بعد أن تم توقيع الاتفاق النووي معه، ولن يعنيه تطمينات الإدارة الأمريكية الضعيفة برئاسة أوباما لدول المنطقة، بل سيزيد في غيه ومحاولته لزعزعة استقرار دول المنطقة بوجود الأموال الطائلة بين يديه، وسيقضي النظام على آخر أمل لأي ديموقراطية حقيقية يحلم بها الشعب الإيراني وإنهاء حكم النظام القمعي في إيران. وسيظل تمثال باسكرفيل في صالون المقر الدستوري في مدينة تبريز كرمز للدفاع عن الحرية والديمقراطية، وسيكون هناك تمثال لأوباما في مقر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي الخامنئي، كرمز لدعم حكم الملالي وقمع الديمقراطية، التي يحلم بها الشعب الإيراني. [email protected]