تصل التناقضات في الداخل الإيراني ذروتها بعد تراجع الولي الفقيه الإيراني عن خطوطه الحمر في ملف إيران النووي والتوقيع على الاتفاق مع الدول الست، فيما انعكس ما اعتبره قادة طهران تحقيق نصر من خلال توقيع الاتفاق النووي على وضع حقوق الإنسان فالإعدامات والاعتقالات تضاعفت استباقاً لأي احتجاجات شعبية يمكن أن تظهر حقيقة الوضع الداخلي لإيران، وكان لابد لقادة طهران من بثّ أجواء الرعب والهلع كما تقول المعارضة الإيرانية، في حوار طويل مع «الشرق» تحدثت فيه السيدة الهه عظيم فر وهي ممثلة المقاومة الإيرانية لدى المنظمات الدولية وعضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عن الوضع الداخلي الإيراني وتدخلات إيران في عدد من دول المنطقة. في الاتفاق النووي تراجع الولي الفقيه عن خطوطه الحمر وهذا ما تسبب في إضعاف نفوذه و نفوذ النظام بصورة کاملة. والآن التناقضات الداخلية للنظام بلغت ذروتها إلى درجة أن العصابات المتصارعة داخل النظام باتت تعري بعضها بعضاً في وسائل الإعلام والمحافل السياسية. كما انعكس ذلك على تصاعد الاحتجاجات في المجتمع الإيراني كالمدرسين، والممرضات، والعمال والطلبة وغيرهم. ومن ناحية أخرى ازدياد انتهاکات حقوق الإنسان، كالإعدامات والاعتقالات، لأن النظام يخشى الضعف ولايملك طريقاً أمام الاحتجاجات الشعبية سوى بثّ أجواء الرعب و الهلع. أما بالنسبة للحکومات والشرکات الغربية التي لا تأبه لهذه المتغيرات داخل إيران فهي ترتكب أخطاء فاحشة في تعاملها مع النظام. ه5لاء يفکرون بأن إيران الحالية أصبحت سوقاً جاهزة ومفيدة ويتسابقون من أجل ذلك الواحد تلو الآخر. المقاومة الإيرانية أكدت مراراً على نقطتين بهذا الخصوص: أولاً إقامة العلاقات مع هذا النظام وغض الطرف عن الإعدامات وانتهاکات حقوق الإنسان هي بمنزلة المشارکة في جرائم الملالي ضد الشعب الإيراني. ونحن حذّرنا بصورة دائمة من أن إقامة أية علاقات مع النظام يجب اشتراطها بتحسن حقوق الإنسان وبصورة خاصة إيقاف عمليات الإعدام بصورة کاملة. ثانياً نحن نقول للبلدان الغربية إنه حتى لو کنتم بصدد تحقيق مصالحکم الاستراتيجية فعليكم ألا تراهنوا على الحصان الخاسر. هذا النظام يقف على حافة السقوط، ولو کان مستقراً فلن يكون بحاجة إلى كل هذه الإعدامات. مع اقتراب موعد انتخابات مجلس الخبراء ومجلس الشورى (برلمان الملالي) في شهر مارس المقبل فإن التناقضات الداخلية في النظام ستصل ذروتها والنظام يتخبط ويخاف بشأن مستقبله. ولو حصل النظام على استقرار نسبي بعد الاتفاق النووي فكان من المفترض أن تؤدي إلى أجواء سياسية مفتوحة، لکن في الوقت نفسه نرى أن الأوضاع في إيران أصبحت عكس ذلك، حيث إن الإعدامات والاعتقالات قد تزايدت. وبالاستناد على ذلك، فإننا نرى أن الغرب ولأنه مستعجل على إقامة العلاقات التجارية مع النظام فإنه لن يصل إلى النتيجة المطلوبة وسوف يتضرر. الاختلافات الداخلية للنظام کانت موجودة منذ فترات، لکنها تعاظمت مع هذا الاتفاق والآن وصل هذا التناقض والصراع إلى أعلى مستوى له أي بين خامنئي ورفسنجاني، وهذا يأتي في وقت أصبح فيه الولي الفقيه ضعيفاً جداً مع تجرٌعه السم النووي. لکن بالنسبة لنا فإن کلا الجناحين وإن اختلفت أساليبهما فهما يمثلان النظام نفسه. بناءً على ذلك، إذا کنا نطمح إلى السلام والأمن في المنطقة والتوقع بأن أحد هذين الجناحين سيوصلنا لنتيجة، فإن ذلك خطأ فادح. خامنئي في يوم الأربعاء 16 سبتمبر الماضي في لقائه مع قادة الحرس الثوري، وضمن الإعراب عن قلقه بالنسبة للمستقبل المظلم لنظام ولاية الفقيه، أکد مرة أخرى دور الحرس الثوري بعنوان الدعامة والضامن الأساسي لبقاء الطغمة الحاکمة في إيران، وأعرب عن تقديره لإثارة الحروب وتصدير الإرهاب والتدخلات العدوانية للحرس الثوري في البلدان المختلفة للعالم تحت عنوان «إيجاد الاقتدار الميداني، السياسي والثقافي والمعنوي». وعلى الرغم من التناقضات الداخلية بين الجناحين، فإن روحاني في لقائه مع قادة الحرس الثوري قبله بيوم أکد هو الآخر استمرار التدخلات العدوانية وإثارة الحروب قائلاً: «لا نستطيع الوقوف مکتوفي الأيدي أمام البلدان المسلمة». وقال: «نحن الجنود الکبار للاستقرار والأمن والسلام، ليس فقط في إيران وإنما في کل المنطقة لجيراننا، وإن الوحدة والاتحاد ووحدة الصف بالنسبة للمسلمين بإمکانه اليوم أن يقصم ظهر العدو». بناءً على ذلك فإننا نريد القول إن الاختلافات الداخلية للنظام جعلت من الولي الفقيه بشکل خاص أضعف من السابق وأکثر عرضة للخسائر، ولکن لايمکن في هذه الاختلافات التطلع لجناح روحاني لأنه لو کان إصلاحياً وديمقراطياً فإن عليه وقبل کل شيء وکما قالت الرئيسة مريم رجوي عند تسلّم روحاني لمهام منصبه بأن الم5شرات والعلامات لأي إصلاح حقيقي في إيران يجب أن يبنى على أساس مراعاة حقوق الإنسان في إيران وحرية الرأي، وإيقاف الإعدامات، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وحرية نشاط الأحزاب السياسية في إيران وتوقف تدخلات النظام في سوريا والعراق، لکن لم نشهد أي تغيير من هذا القبيل. الفقر يستشري في إيران. نحن نواجه في إيران جيشاً من الجياع. الطبقة الوسطى في إيران لم يعد لها وجود؛ هناك طبقتان إحداهما طبقة تحت خط الفقر والتي تضم غالبية الشعب، أما الطبقة الأخرى فهي أقلية صغيرة جداً من أصحاب المليارات من أصحاب القصور والتي تشتمل على قادة النظام وقادة الحرس الثوري. الاحتجاجات الواسعة للشرائح المختلفة الذين ضاقوا ذرعاً من هذا النظام ومن هذه الظروف تأتي لهذا السبب. م5خراً قام معلم متقاعد، بإحراق نفسه وتوفي. كما أن بيع وشراء أعضاء الجسد في إيران صار اليوم واحداً من مصادر الدخل الرائجة. في الوقت الذي نجد فيه معظم أبناء الشعب الإيراني يعدون البطالة واحدة من أکثر الأزمات جدية فإن حکومة روحاني و صورة مضحکة تتحدث عن نسبة 10% لکن الحقيقة شيء آخر. وخلال الصراعات المحتدمة بين جناحي النظام والذي تؤدي إلى کشف الحقائق فإن وکالة تسنيم المرتبطة بالحرس الثوري أعلنت في 12 أغسطس من هذا العام إحصاءات مروعة عن البطالة بين سن 15 إلى 24 عاماً وقالت إنه ومنذ عام 2014 أي من الوقت الذي قامت فيه حکومة روحاني بإعلان برنامجها السياسي فإن نسبة البطالة قد ارتفعت بصورة لافتة للنظر وإنها وصلت في أغلب المحافظات إلى أکثر من 40%. بإمکانکم التصور بأن هکذا نسبة من البطالة ماذا تعني لشباب إيران. التربية والتعليم في إيران تعاني هي الأخرى من أوضاع وخيمة جداً وهناك التمييز وحالة من الاختناق في الأجواء التعليمية في البلاد. والمدرسون الذين ينشطون من أجل الدفاع عن حقوقهم فإنهم يدخلون السجون ويتهمون ب «الدعاية ضد النظام» و «النشاطات ضد الأمن القومي» ويقبعون في السجون لفترات طويلة. والظروف العلاجية سيئة جداً ويخصص لها النظام ميزانية متدنية، لأن أولويات النظام هي الأجهزة القمعية و تدخلاته في سوريا ولبنان والعراق واليمن وسائر أرجاء المنطقة وکذلك المشروع النووي. وفي مجال حرية التعبير وطبقاً لمنظمة «مراسلين بلا حدود»، في عهد روحاني اعتقل حوالي 100 مدون، حيث تم الحکم على کثير منهم بفترات سجن طويلة. من حيث الحريات السياسية فإن أعداداً كبيرة من السجناء اعتقلوا في الأعوام الأخيرة باتهامات من قبيل «إهانة خامنئي» و»الدعاية ضد النظام» وتم الحکم عليهم بالسجن لأکثر من 10 أعوام، يمکن الفهم من خلال ذلك بأن النظام لايتحمل حتى جملة واحدة ضده. وحتى مع سجن النشطاء السياسيين فإن حقد الملالي لاينتهي ضدهم، حيث يقومون بعد إتمام فترة الحكم للسجناء السياسيين بتمديدها. وظروف الغذاء والعلاج في السجون بالغة السوء. السجناء السياسيين يعانون من الأمراض. وشهدنا وفاة بعض منهم بصورة مشبوهة. ومؤخراً السجين السياسي و الناشط العمالي شاهرخ زماني، وجدوه رفاقه السجناء وفمه مملوء بالدماء ورأسه مكدوماً لکن النظام قال إنه توفي بجلطة دماغية! بالنسبة لوضع البيئة في إيران فإن ناقوس الخطر قد تم قرعه منذ مدة. مستشار روحاني قال م5خراً إنه في المستقبل القريب 70% من سکان إيران عليهم الهجرة من البلد بسبب قلة الماء. تلوث الجو، وتجمع النفايات وعدد کبير آخر من مشکلات البيئة تطغى على الساحة. الخلاصة نريد القول إنه ولو نظرت في أي مکان من المجتمع الإيراني فإن آثار الدمار واضحة وإن ذلك هو هدف النظام العائد للعصور الوسطى والمسمى نظام ولاية الفقيه والذي لايعير أية أهمية للرفاه ولاستقرار الشعب الإيراني ويقوم بإهدار ثروات الشعب الإيراني من أجل بقائه عن طريق القمع وتصدير الإرهاب أو يتم إهداره عن طريق قادة النظام الفاسدين. في ظروف كهذه يحاول روحاني الآن وبطريقة مخادعة أن يبين أن کل المشکلات جاءت بسبب العقوبات الدولية ومع إلغاء هذه العقوبات فإن کل المشکلات سوف تنتهي. يأتي هذا في وقت ذکر فيه محسن جلال بور، رئيس غرفة التجارة والصناعة للنظام قبل شهر إن: «العقوبات ترکت تأثيراً بنسبة من 20 إلى 25% على اقتصاد البلاد ويجب على الجميع أن يعلموا بأن المشکلات الحالية للبلاد في المجال الاقتصادي، لم تکن وليدة العقوبات وأنه حتى بعد العقوبات فإن کل شيء لن يسير کما يراد له». أريد القول من خلال هذه التوضيحات بإنه وفيما يتعلق بحل هذه المشکلات فإن الاتفاق النووي لن يجلب حلاً لها لأنها نتيجة تراكمات أکثر من 30 عاماً لنظام مستبد وفاسد وأنه وفقط عن طريق إسقاط النظام يمكن البحث عن حل لهذه المشکلات وليس بالاتفاق النووي. لکن فيما يتعلق بالمجتمع الإيراني فإنني أستطيع القول إن هذا الاتفاق الذي کان بمنزلة تجرع خامنئي السمّ سي5دي إلى انفجار الأوضاع في المجتمع الإيراني، لأن الشعب ضاق ذرعاً ويريد حقوقه ويسأل قادة النظام عن حصة الشرائح المختلفة للشعب الإيراني من مليارات الدولارات التي تدخل خزانة النظام، وهم الذين يعيشون تحت خط الفقر. مهما كثر الحديث عن تحسين العلاقات بين النظام وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، فلا يمكن أن تكون هناك تطبيع العلاقات بين الطرفين ناهيك عن إسرائيل. فنظرية ولاية الفقيه وكي تظهر نفسها مدافعة عن المستضعفين وتبرر قمعه وتنكيله للمناضلين الحقيقيين من أبناء الشعب وكذلك من أجل تبرير سحق حقوق الشعب وحرياته، تستند إلى معاداة القوى الكبرى وتعتمد على ما يسمى بتصدير «الثورة» وفي الحقيقة هي تصدير الإرهاب والتطرف. ودون هذا التوجة الاستراتيجي، فعلى النظام أن يغير طبيعته ويتحول إلى نظام آخر – قد يكون نظاماً ديكتاتوريا – ولكن ليس نظام ولاية الفقيه – بمعنى الانهيار الكامل للسلطة القائمة حالياً. المقاومة الإيرانية كشفت إبان الحرب الإيرانية العراقية عن وثائق ومستندات دامغة تكشف عن الصفقات السرية للسلاح بين إسرائيل وبين نظام الملالي إضافة إلى فضيحة حمولة السلاح في طائرة النقل الإرجنتينية التي سقطت في أراضي الاتحاد السوفيتي انذاك. يجب على الدول الغربية ألا تنسى انتهاکات حقوق الإنسان في إيران وألا يضحي الغرب بالقيم الديمقراطية والانسانية من أجل المصالح التجارية. لکن إذا فعلوا ذلك فإننا سنقوم بالحملات السياسية وجلب حماية الضمائر الحية للعالم کي ينتبهوا لأخطائهم ولن نسمح بأن يقوم محترفو التجارة بإقامة علاقاتهم مع الملالي على حساب دماء المعدومين و الضحايا الأبرياء. نحن مقاومة تمتلك تجربة غنية لأعوام طويلة للتعبئة من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الإيراني، کما کان لنا نشاطاً لأعوام عديدة ضد سياسة الاسترضاء الخاطئة مع نظام الملالي، ولأن نضالنا مشروع وحق فإننا تمکنا دوماً کسب حماية الضمائر الحية وهذه المرة أيضاً نستعد أکثر من السابق لهذا العمل و سوف ننجح.