لا أحد يشك أبداً في أن جذور الأزمة مع إيران لا يكمن كما يظن البعض في اختلاف البلدين مذهبياً، فحتى إيران ذاتها لم تكن شيعية إلا في زمن قريب، والشيعة والسنة تعايشا أزمنة مديدة في أجزاء كثيرة من البلاد العربية ومنها بلادنا التي تعايش فيها السنة والشيعة بكل ألوان عقائدهم، ولم تبدأ المشكلات إلا حينما تحوّلت إيران السنية على يد أحد حكامها إلى المذهب الشيعي، واضطهدت أهل السنة، وحاولت إخراجهم من كل إيران وفشلت، وكانت الحركة الشعوبية المعادية للعرب في جلها فارسية، فلما اندمجت مع الحركة الشيعية الجديدة استحكم العداء للعرب بين إيران الفارسية والعرب سنة وشيعة، ولما ضُمّت إمارة الأحواز العربية إلى إيران الفارسية بقوة السلاح في حال ضعف العرب، وتنازعهم في الغالب، ازداد العداء المقرون بالكراهية للعرب، ومن عرف ما تعرضت له الأحواز «سنة وشيعة» يُدرك ما أقول، والصورة التي كان يتعايش بها العرب سنة وشيعة اختفت بعد الثورة الإيرانية، والتي أهم مبدأ لها تصدير الثورة إلى البلدان العربية حولها، وقد جهدت أن تحدث عداء بين سكانها بإثارة النعرات الطائفية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ففقد العراق استقراره بتطبيق نظام محاصصة طائفية سعت إيران إلى أن يطبق فيه، رغم أنها تعرف يقيناً فشله في لبنان، وفي لبنان الذي كان مثالاً للديمقراطية والحرية، أهدت إليه حزباً شيعياً مسلَّحاً، فاستطاع خلال سنوات قليلة تحويله إلى بلد فاشل بكل المعايير السياسية والاقتصادية، وفي سوريا تدخلها جعلنا نرى أجساداً ضمرت من الجوع إلى حد الموت بجهدها المناصر لحاكمها الذي لا يعرف الشجاعة إلا تهوراً على شعبه حتى أصبح بين قتيل ومهجر، وإيران معه تصفق لهذه القسوة التي لم تر البشرية لها مثيلاً، وليهنأ زعماء سياسيون إيرانيون حينما تعلو أصواتهم فرحين: أصبحنا أهل القرار في أربع عواصم عربية بغداد ودمشق ولبنان، وأخيراً صنعاء التي تعايش فيها الزيدية والسنة قروناً طويلة قبل أن يعرفوا أن هنالك دولة شيعية اسمها إيران، فهذه الدماء تسيل وهذه الديار تخرب عمرانا واقتصادا، وتعود إلى الوراء مئات السنين، وحتماً لن تتحقق لإيران أطماعها وسيعود ذلك عليها بأصنافٍ من كل ما مر بالأرض والمدن التي مروا بها وخربوها، هذا هو سادتي ولاشك العدل الإلهي لا محالة، والعجب كل العجب للولايات المتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، التي ظلت على خلاف شديد مع إيران أكثر من ثلاثة عقود حتى كانت أمريكا ودول الغرب تمثل الشيطان الأكبر بالنسبة لإيران، وإيران تمثل للغرب الدولة المارقة التي تحذر، فما أن تعتدي إيران على المملكة، الدولة العربية التي سالمت الجميع، ولم تتدخل قط في شؤون أحد، وعندما أرادت أن تدرأ أخطارا أحاطت بها في معركة حق أطلقت عليها «الحزم» لتدفع شرور جماعة دينية متطرفة اسمها الحوثيون، ويسقط في يد إيران التي أرادت كل العرب بالسوء، وترى أن مخططها التوسعي للتدخل في شؤون دول العرب الداخلية يتهاوى، فإذا بدول غربية تبدأ في توجيه النقد للمملكة لمجرد أنها عاقبت عن طريق حكم محكمة على أحد مواطنيها من مثيري الشغب، الذي أنشأ مجموعة إرهابية، وتتخذ من إعدامه تكئة للهجوم على بلادنا، متناسية مواقفها الكثيرة لصون مصالحها معهم، ولا توجه للدولة المارقة التي احترفت العدوان على السفارات الغربية قبل أن تعتدي على سفارتنا وقنصليتنا، ولتتسامح معها حتى في قضية برنامجها النووي التي صدعت رؤوسنا به سنين طويلة، أهذه يقظة جديدة لحركة قديمة كانت تسمى صليبية لتعاون حركة قديمة أخرى اسمها شعوبية، تنهجها إيران منذ زمن طويل، أم هي خطأ سياسي فادح ستعود خسارته بسرعة على الغرب، ويوم يحس الغرب بفداحته لن يجدنا في الانتظار ففي الساحة العالمية قوى بدأت تتشكل قد يكون لنا فيها عزاء، فقد آن للعرب أن يبحثوا عن مصالحهم، وهم بإذن الله قادرون على تحقيقها، فهل سيستدرك الغرب خطأه، ويصحح مواقفه، هو ما نرجو، والله ولي التوفيق. [email protected]