يعتقد فريق كبير من الشيعة العرب في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وغيرها أن «إيران» هي حامية حمى الإسلام، ورافعة لواء الدعوة إلى نصرة آل البيت - رضوان الله عليهم - والمدافعة عن حقوق المسلمين بما فيهم العرب الذين يعانون من عقدة الاضطهاد السني في بلدانهم وعدم تمكينهم من نيل حقوقهم وممارسة شعائرهم والتعبير عن آرائهم؛ ولذلك فإن كثيرين من الشيعة العرب يولون وجوههم نحو «قم» باثين إليها مظلوميتهم التاريخية المزمنة التي لم تنجل يوما منذ أن تولى الخلافة بنو أمية إلى يومنا هذا! ويسرف كثيرون من هؤلاء المخدوعين من شيعة العرب في أحلامهم فينتظرون اليوم الذي ترفرف فيه راية الإمبراطورية الفارسية على الخارطة العربية كلها من العراق شرقا إلى موريتانيا غربا ومن جنوبتركيا شمالا إلى اليمن جنوبا؛ بل يذهب بهم الطموح إلى أبعد من ذلك فيرون علم «الجمهورية الإيرانية الإسلامية» يرفرف على ساريات كثير من دول القارة الأفريقية والباكستان وأفغانستان وغيرها من تلك الدول التي تتواجد فيها طائفة شيعية وينشط فيها الحراك الإيراني تشييعا وتأسيسا للخلايا وتوزيعا لمهمات العمل لتحقيق أحلام الإمبراطورية الفارسية بعمامة إسلامية مزيفة، وقد صورت تلك الأحلام الخرائط الجغرافية الملونة بعلم الدولة الفارسية ووزعت على عدد من سفارات إيران في سنوات سابقة وسربت عبر الشبكة العنكبوتية. هذا الوهم القار في أذهان كثيرين من العرب الشيعة لم تستطع الممارسات الإيرانية المؤلمة للعرب الشيعة في إيران والأحواز والعراق، وزوار «المراقد المقدسة» في كربلاء وقم وغيرهما أن تكشف حقيقة الولاء الفارسي نحو العرب برابط الانتماء إلى التشيع! ولو تأمل المخدوعون الحالمون بالجنة الفارسية مراحل من التاريخ انتهز فيها الفرس حالات من الضعف والاضطراب مرت بالأمة العربية لرأوا كيف كان الانتقام الفارسي من العرب في العراق والشام وشرق الجزيرة العربية والحجاز قاسيا ومؤلما تجاوز حدود الانتقام إلى التصفية الشاملة والتمثيل بالجثث والاستهزاء بالقرآن الكريم وقتل الحجاج واغتصاب الحاجات تحت أستار الكعبة ومنع أداء فريضة الحج تسع سنين وسرقة الحجر الأسود وحجزه اثنتين وعشرين سنة في الجش بالأحساء عام 317ه على يد الشيعة الفرس «القرامطة»! وقد احتفظت المصادر التاريخية الفارسية المدعية التشيع الإثني عشري بأن «الإمام المهدي» المنتظر المختبئ في سردابه لن يخرج من مخبئه إلا بعد أن يقتل العرب جميعا، وفي مصدر آخر بعد أن يقتل العرب وتهدم كعبتهم! أما في التاريخ الحديث؛ فقد شمل الاضطهاد الفارسي الشيعة العرب والسنة على حد سواء؛ لأنهم «عرب» ولم تشفع الطائفية في منع وقوع الأذى عليهم، ورفعت لافتات كبيرة بالقرب من مواضع الزيارات الدينية في إيران بخط عربي واضح بعدم الترحيب بالزوار العرب والمطالبة بمنع قدومهم إلى قم وما ماثلها! ويحفل الأدب الفارسي القديم منه والحديث، وتحتشد وسائل الإعلام الإيرانية التقليدية والجديدة بنصوص بالغة الحدة في السخرية من التراث والحضارة والتقاليد العربية، وتعيد «الميديا» الإيرانية استنساخ الشعوبية المتعالية تجاه العرب بصيغ تناسب لغة العصر عبر وسائط التواصل؛ فتزيد من احتقان الوجدان الشعبي الفارسي الذي قد لا يأبه بما يفكر به المتعصبون والشعوبيون، ولا يلقي له بالا؛ لكن الخطاب الشوفيني المتزمت المخطط له والمؤيد من قبل الملالي وسياسي السلطة يجد له مكانا من التأثير قل أو كثر. إن ساسة الدولة الفارسية الذين اعتمروا العمامة وتمنطقوا بالخطاب الطائفي الديني لاستقطاب الأتباع ممن يؤثر فيهم استعادة المواجع واستحياء المظلوميات التاريخية التي ولت وانقضت واندثرت ولن يعيدها استحياؤها والتباكي المكذوب والتمثيل المصطنع المكرر المكشوف بمرور المناسبة؛ ولكن الغاية السياسية تذهب إلى أبعد من إعادة استحضار مشاهد الألم وتأجيج العواطف الدينية بتحشيد مزيد من الأتباع لتسخيرهم في سبيل تحقيق أحلام الإمبراطورية الكسروية الموعودة. ربما يغيب عن وعي كثيرين من الشيعة العرب ممن انساقوا خلف الخطاب الفارسي أنهم لن يكونوا إلا وقودا مؤقتا رخيصا للوصول إلى الحلم الفارسي.