ما كانت موازنة الدولة العامة للسنة المالية المقبلة، التي أقرَّها مجلس الوزراء في جلسته الأسبوع الماضي، بحاجة إلى آراء بعض الاقتصاديين، أو الكُتَّاب، من خارج الوطن، ليصفوها بأنها «درس لأوروبا وللعالم»، أو أقوالٍ أخرى على شاكلتها؛ لأن حكومتنا -ولله الحمد- كانت شفّافة جدًّا عند إقرار الموازنة، وعند إذاعتها ونشرها للملأ. أمّا أولئك الاقتصاديون والكُتَّاب فهم ما يزالون يعيشون في الماضي، الذي كان يفتخر بأكبر مبنى، وأوسع شارع، وأول مستشفى في الشرق الأوسط، وما شاكله. لقد أوضحت الحكومة في تفسيرها للموازنة، بكل شفافية، ما يحيط بدخل الدولة من انخفاض؛ بسبب انخفاض أسعار النفط الخام، ما جعل ذلك حافزًا لها للاتجاه إلى تنويع مصادر دخلها، وعدم الاعتماد على منتج واحد تبني عليه اقتصادياتها. بل أصبح من المُلحّ تغيير، بل تحويل الفكر الاقتصادي السائد إلى فكر مختلف، ينتقل من فكر الاقتصاد الريعي ليأخذ في اعتباره إمكانات المملكة الأخرى، سواء العائدة إلى الدولة، أو العائدة إلى القطاع الخاص، أو المتولدة بفعل الاستثمار الخارجي، أو عن طريق المستثمرين الأجانب. ولقد كان من ضمن الأولويات للتحوّل الاقتصادي ترتيب الهياكل السعرية التي تدعمها الدولة، من أجل المواطن والمقيم. فقد كان كثير منها يساعد على الإسراف والتبذير، وتبديد الثروة الوطنية. كما كان في بعضها فرص ذهبية للبعض للتكسّب غير المشروع، وللتهريب إلى خارج الوطن؛ وقد لوحظ ذلك في حالة أسعار المنتجات النفطية المنخفضة. ورغم أن إعادة أسعار المواد النفطية إلى سابق عهدها منذ سنوات قليلة مضت، إلاّ أنها ما تزال من بين أقل الأسعار في العالم. كما أنها ما تزال مدعومة من الدولة، حيث إن أسعارها ما تزال أقل من تكلفة إنتاجها. ولعل من يسأل إن كان سيتبع ذلك زيادة في الأسعار على المواطن؟ فالجواب بأن ارتفاع الأسعار على المواطن سيحدث، وسيدفعها للأعلى شقّان: الأول هو ارتفاع طفيف، وذلك بسبب ارتفاع المواد النفطية، حيث إن ذلك له علاقة بالنقل، وبتكلفة الإنتاج. وهذا الارتفاع -كما ذكرنا- طفيف، ومن الممكن حسابه بسهولة. أمّا الثاني فهو ارتفاع كبير، وذلك بسبب جشع بعض التجار. وهذا الارتفاع من الصعب احتسابه وتبريره وقبوله. ولسوف يُشكِّل عبئًا إضافيًّا على وزارة التجارة لمتابعته ومعاقبته، ولحماية الناس من تجاوزات الذين يستغلون بجشعهم كل الظروف الاقتصادية. كما أن على المواطن مقاطعة بضائع هؤلاء؛ لكي تستقر الأسعار على مستوياتها المنطقية. إن الدول القوية يقودها للأعلى اقتصاد قوي، يخضع للقواعد الاقتصادية، والمعايير المحاسبية العالمية، وليفسح لها الطريق للتقدم والنماء، وليتيح للمواطن فرصة التطوّر والرقي. [email protected]