على عكس وسائل الاستعمار القديم في اكتساحه الدول الضعيفة بقوة الجيوش وبطش الأساطيل وقوة نيران القتل لنهب الموارد، برز الاقتصاد كأداة ووسيلة ناجحة توظفها الولاياتالمتحدة لتحقيق مآربها كإمبراطورية، أضحت تستخدم مستشارين من جنسيات متعددة فضلاً عن أجهزتها الداخلية ومؤسسات مالية تعمل من أراضيها وتجري أمريكا أيضا بحوثاً متخصصة تنهض بمسئوليتها معاهد تخطيط حاذقة تقترح لها وسائل ذكية تمكنها من أهدافها بعيدة المدى . إن صدق هذا الاستنتاج يؤكده سلوك أمريكا منذ أن صارت القوة العظمى الوحيدة وفعلت أدوارها في مسرح التأثير والهيمنة، ويشير الأكاديمي الفاضل قاروب لأهم عشر وسائل في هذا الإطار أهمها برامج الخصخصة كوسيلة جذابة شعبوياً وشائعة الاستعمال ولكنها في واقع الأمر عادت بالفائدة على شريحة ضيقة من المجتمع وبالفقر على الواقع الاجتماعي الذي احتضنها وسمح بتحويل الملكية من القطاع العام لمن يملك رأس المال وهو ما قاد تلقائيا لتباين حاد في دخول المجتمع، ولعل أفضل برهان على سلبيات تجربة (تونس بن علي) في الخصخصة ومصر على أيام مبارك فقد قادت عملياً جميعها إلى ما نعرف وكان أخطر مظاهرها يومئذ الاستغناء عن الأيدي العاملة الوطنية في القطاعات المختلفة ،وتتوفر أمثلة تضاف لتجربة مصر وتونس في أوربا الشرقية وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إذ فاقمت برامج الخصخصة نسبة المُسرَّحين والفقراء وارتفاع معدل البطالة فصارت عبئاً اقتصادياً ووقوداً لحرائق حركت عدم الاستقرار الاجتماعي فضلا عن الخلل الأمني. من يحاجج بالفعالية عبر الخصخصة يغفل أن التوظيف يتم للأكثر خبرة وكفاءة وانتاجية تحت شعارات الربحية مما يجعل الطلب على هذه المهارات عاليا ويقوض أسس وفكرة توطين الوظائف في دول ناشئة ويجعل برامج التوظيف في مهب الريح فالمنشآت المخصخصة عينها على الربحية وحجم العائد وترفض فكرة الدعم مما سينعكس سلباً على أسعار الخدمات والكهرباء والمواد الاستهلاكية لتصب الزيت على نار الحرائق الاجتماعية برفع كلفة المعيشة ، والخدمات والرعاية الصحية وقد تكون متوفرة لشريحة ضيقة تثير الغضب والحنق. وأما المؤسسات التمويلية الكبرى فستسعى لخدمة هذه التوجهات ولها روشتة نمطية معلومة بزيادة الضرائب وفرض ضريبة القيمة المضافة على الممتلكات وأخرى مفتوحة على كل ما يخطر على البال بحجج مخاتلة تشير لضرورة موازنة الدول للصرف على القطاع العام والتسليح والأمن والحد من العجز، ولكن هنا خطأ وخطل لأن الضرائب وسائل تعمل بطريقة مضادة لخلق بيئة تعمق التباين في الدخول وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتوفير بيئة للفوضى. في تقرير ماكينزي عن اقتصاد المملكة ليس ثمة مقترحات أو توجهات من صندوق النقد الدولي لإعداد شباب المملكة للتنافس في سوق العمل أو الوصول لهدف تنويع الاقتصاد الوطني، فالتعليم المهني كمدخل لاقتصاد المعرفة والطاقة المتجددة ومقومات اقتصاد ما بعد البترول قد غيبت ،بينما عدم الاهتمام بالموارد البشرية الشبابية (وصفة )لعدم الفعالية الاقتصادية، ومتى قامت الدولة بتصويب برامج الخصخصة ستقوم منظمة التجارة الدولية بتفعيل شروط العضوية وما يلحقها من تلويح بالعقوبات وحملات إعلامية غربية ضارية تؤلب الرأي العام الغربي ومنظماته، وهذه الخطوات تعمل في تكامل وتنافس ومن يحركها ليس في عجلة من أمره فقد تستغرق ما تستغرق من الزمن ولكن في المحصلة تسعى لتحقيق هدف الاستعمار الاقتصادي الذي مارسته مؤسسات أمريكية في بيئات مختلفة وشهدنا أمثلته في دول أوربا الشرقية وفي دول نامية عديدة.