اختط جامع المشهد في نجران لنفسه تاريخاً سيشهد بأنه عصيٌّ على مزايدة الوطن، وأنه سيظل شامخاً كمحرابٍ للصلاة وكمنبرٍ لإخفات صوت الطائفية المقيتة والمذهبية المُستغلة من قبل أعداء الوطن الواحد الذين -وإن تباينت مرجعياتهم الدينية- إلا أن القيمة التي لا مساومة عليها هي عدم تقويض الُلحمة الوطنية الداخلية، ومحاولة تفكيكها، وضربها بعصا التصنيف الذي تشرّبه أعداء الحياة جرّاء ارتهانهم لأفكار سامة، وأنفس مُلئت حقداً على كل ما حققه الوطن من مكتسبات مادية وما يملكه من مقدَّرات بشرية. إن اختيار نجران -على وجه التحديد- بهذا الفعل الإرهابي الدنيء لم يكن عبثياً؛ بقدر ما كان هدفاً استراتيجياً يتمثل في إثارة أبنائها وشق عصاهم عن بقية مكونات النسيج الوطني، ولكنهم -أي أبناء نجران- كانوا ولا زالوا أبعد نظراً من أن تنطلي عليهم هذه الحِيَل، وينساقوا للإسقاطات السلبية لفئة استسلمت طواعية لفكر هدَّام لن يجني منه الجميع سوى الفُرقة؛ فجاءت ردة فعلهم لتُثبت للجميع بأنهم وطنيون فوق كل التصورات، وأن حسهم الوطني استشعر مُخطط الفئة الضالة فكان التلاحم هو عنوان وقفتهم، ومصالح الوطن العُليا فوق كل اعتبار. لن يَكفُّ الفكر الداعشي الذي تسلل إلى عقول الشباب بمشاربه المُتعددة عن محاولاته لضرب الجبهة الداخلية بكل ما أُوتي من قوة؛ لذا يجب أن تكون المواجهة معه مفتوحة على كافة الأصعدة -فكرياً وأمنياً- فالفكر آخذٌ في الازدياد لا الانحسار بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، والمناصحة معهم اتضح عدم فاعليتها مع بعضهم؛ لذا فإن القوة التي لا ترحم هي الوسيلة المُثلى لإحباط مُخططاتهم ، وتجفيف منابع فكرهم، وتتبع أربابهم المُتلبسين في الداخل، وإغلاق منافذ تغذيتهم الخارجية. تحيِّة إجلال وإكبار لوطنية أبناء نجران التي أوصدت الباب في أوجه المتربصين، وأثبتت للقاصي والداني أن «الوطن» قيمة يُضاف إليها ولا يُنتقص منها، وأن ماضي الأجداد لن يُبعثره اختزال الوطنية في أتون الطائفية، بل سيُواصل الآباء المسيرة، وسيرسم الأبناء ملامح المستقبل لوطن يستوعب الجميع مهما تعددت مرجعياته. [email protected]