خيمت أمس الثلاثاء أجواء متوترة على المفاوضات النووية المستمرة في فيينا بين إيران والقوى الكبرى مع حديث عن قضايا «بالغة الصعوبة» تعترض إحراز تقدم، ما ينبىء بإمكان تمديد المفاوضات ل»بضعة أيام» إضافية، ومساء الثلاثاء، تحدث مسؤول غربي كبير عن قضايا «صعبة جدًا جدًا» لا تزال تتطلب حلاً، علمًا أن كلاً من الطرفين يوجه رسائل تراوح بين الإيجابية والسلبية في إطار تكتيك الشوط التفاوضي الأخير. والمفاوضات التي كان مقررًا أن تنتهي الثلاثاء مددت «لبضعة أيام»، ولكن يبدو أن لكل من القوى الكبرى وإيران تقديرًا مختلفًا للأمر، وقال مصدر قريب من المفاوضات: «نلامس النهاية وقد قررنا للتو تمديدًا أخيرًا إما تنجح الأمور في الساعات ال48 المقبلة وإما لا تنجح»، فيما أكد مسؤول غربي كبير أن المفاوضات لا يمكن أن تستمر «إلى ما لا نهاية»، ورد المفاوض الإيراني عباس عراقجي عبر التلفزيونات الإيرانية: «إذا كان لدى الآخرين مهلة نهائية، فهذه ليست مشكلتنا، نحن مستعدون للبقاء في فيينا ما دام ذلك ضروريًا، مستعدون لتمديد المباحثات يومًا بعد آخر». وكان عراقجي قد أعلن في وقت سابق أن دبلوماسيي إيران ودول مجموعة (خمسة زائد واحد) أنجزوا في شكل شبه تام نص الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني والملاحق الخمسة المرفقة به، وقال عراقجي: «النص الرئيس شبه منجز، لم تبق سوى بضعة هوامش ينبغي أن يتخذ الوزراء قرارات سياسية في شأنها»، مؤكدًا أيضا أن الملاحق الخمسة للاتفاق شبه منجزة، وأضاف: «الخلافات الرئيسة تتصل ربما بنقطتين أاو ثلاث، هناك أيضا نقاط أخرى أقل أهمية، ربما سبع، ثمان أو عشر»، كما شدد على أن بلاده تطالب بإنهاء العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على الأسلحة، وقال عراقجي: «لا يزال هناك خلافات في شأن العقوبات على السلاح (هذه العقوبات) في ذاتها ليست بالغة الأهمية بالنسبة لنا، ولكن لا يمكن الإبقاء على هيكلية العقوبات، على دول مجموعة خمسة زائد واحد أن تغير نهجها في شأن العقوبات إذا أرادت اتفاقًا». وهذه هي المرة الخامسة منذ 2013 -والثانية في هذه الجولة من المحادثات- التي تتجاوز فيها الأطراف المتفاوضة الموعد المحدد للتوصل إلى اتفاق تاريخي بسبب عدم الاتفاق على المسائل الشائكة، وتسعى الأطراف إلى التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات المفروضة على طهران، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق إطار في أبريل. ومنذ بداية الأسبوع، يواصل وزراء خارجية مجموعة خمسة زائد واحد (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا) الذين حضروا إلى فيينا اجتماعاتهم، سواء فيما بينهم أو مع نظيرهم الإيراني محمد جواد ظريف، لكن أي اختراق لم يسجل إلى الآن، حتى إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لفت الى أن «سبعًا أو ثماني نقاط» لا تزال عالقة. وصرح نظيره البريطاني فيليب هاموند: «هناك عدد معين من المسائل، هناك حاجة الى مساومات وقرارات صعبة من هذا الطرف وذاك». من جهته، تحدث الفرنسي لوران فابيوس عن «حصول توتر». ووافقته وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بقولها «كان الأمر صعبًا أحيانًا»، ولا تزال نقاط الخلاف هي نفسها، وتتصل خصوصًا بفترة الاتفاق الزمنية والعقوبات المفروضة على إيران و»البعد العسكري المحتمل» للبرنامج النووي الإيراني بحسب فابيوس، وعلى صعيد العقوبات، أعلن لافروف الثلاثاء أن قضية حظر الأسلحة المفروض على إيران تبقى «مشكلة رئيسة». وتبنى مجلس الأمن في 2010 قرارًا يحظر بيع الأسلحة لإيران مثل الدبابات القتالية والمروحيات الهجومية والبوارج والصواريخ وقاذفات الصواريخ، ويمنع أيضا الأنشطة البالستية لطهران، لكن مسؤولاً رسميًا أمريكيًا صرح مساء الثلاثاء أن «القيود على الأسلحة والصواريخ» لن يتم رفعها في إطار اتفاق محتمل، ورفع القيود عن الأسلحة والصواريخ سيكون صعبًا تمريره في أي اتفاق بالنظر إلى الظروف الإقليمية الراهنة والضلوع الإيراني في نزاعات عدة أبرزها في سوريا والعراق. وثمة بند خلافي آخر يتعلق بالبعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي الإيراني أقله حتى العام 2003، وتسعى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى كشف حقيقته في شكل تام، ويطالب المجتمع الدولي بزيارة المواقع والاطلاع على الوثائق ولقاء العلماء الذين قد يكونون معنيين بهذا البرنامج، الأمر الذي ترفضه طهران مؤكدة أنها لم تكن أبدًا عازمة على بناء ترسانة نووية عسكرية، ومن شأن فشل مفاوضات فيينا أن يقضي على عامين من الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى حل ملف معقد يرخي بثقله على العلاقات الدولية منذ أكثر من 12 عامًا وعلق مسؤول أمريكي كبير الثلاثاء: «لم نكن يومًا أقرب من بلوغ اتفاق ورغم ذلك لم نصل إلى النقطة التي ينبغي أن نصل إليها»، معتبرًا أن فشل العملية التفاوضية سيكون «مأساة».