ساءني كثيرًا منظر أولئك المئات من الشباب الذين رأيتهم يمشون بتيه في أحد المراكز التجارية الشهيرة بجدة، صدمني ذلك المنظر حتى ما عدت أُدرك أين أنا؟ وما الذي يحدث؟ وأصدقكم القول أني ما كنت أتخيّل أن حالنا قد بلغ به السوء إلى هذا الحال من التيه. قد يتهمني أحد بالمبالغة، وقد يُفسِّر المقربون مني تلك الصدمة بغيابي عن الساحة الشبابية خارج إطاراتها الرسمية، بمعنى أنه لم يتسنَ لي رؤية أبنائنا في محطات الترفيه ومواقعها العامة، التي تأتي الأسواق والمراكز التجارية على رأسها. واقع الحال فما رأيته ينذر بكارثة وخيمة إن لم يتدارك المهتمون الأمر بصورة عملية منهجية واقعية، ما رأيته من تيه يعيشه أولئك المئات من الأبناء، فتراهم يهيمون في السوق بصخب، وقد تزين كثير منهم بملابس غريبة عجيبة، لا تناسق ألوان فيها، ناهيك عن قصهم لشعورهم بطريقة غريبة، حتى أنك لوهلة يخيل إليك أنك في أحد شوارع نيويورك الخلفية، وهم حتما نموذج لواقع اجتماعي بات مفروضا علينا، جراء حالة الفضاء المفتوحة، التي لم يعد بالإمكان السيطرة عليها، أو تغييرها، أو حتى تهذيبها بشكل أو بآخر. لكن ونحن أمام هذا الخطر المحدق، أما من حل يطرحه العقلاء لننقذ به أنفسنا ومجتمعنا؟! في تصوري أن أهم حل يمكن أن يتعاطاه المسؤول كامن في ملف الثقافة، فالإشكال ثقافي بالدرجة الرئيسة، إذ ما غادرنا أولئك الشباب إلى حيث هم الآن، إلا بسبب غياب الثقافة بمفهومها الحقيقي الواقعي المهاري عنهم. ما غادرنا أولئك المئات إلى الأغاني الغربية الصاخبة التي باتت لصيق أذانهم، إلا لأننا لم نهتم بتربيتهم موسيقيا وفق منحى أصيل، فكان أن استحسنت أسماعهم سماع ذلك الضجيج، وحلقت أرواحهم في أتونه الحارقة، دون وعي منهم. والنتيجة أن كثيرا منهم بات شيطانا في صورة إنسان. أيها المسؤول، بات واجبا على ضميرك قبل شخصك الموقر، أن تلتفت إلى واقع شبابنا اليوم، وأن تجد طريقة لحل ومعالجة ما بتنا فيه من إشكال. وأن تتخذ القرار السليم لدعم مختلف المشروعات الثقافية الجادة، الرسمية والأهلية، التي من شأنها أن تساعدك في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة شبابنا وشاباتنا إلى هويتنا الثقافية الفنية الأصيلة، مع تأكيدي لك بأن أي مشروع ثقافي حقيقي لا يمكن له أن ينمو بصورة مُطردة، وباستمرار متين، دون أن يكون للقطاع الأهلي أي دور فاعل فيه، إذ من الصعب على أي جهة حكومية مهما بلغت قدرتها المادية، وطاقاتها التشغيلية، أن تهتم بتنفيذ آليات العمل الثقافي على أكمل وجه. بقي أن أشير إلى أنه قد آن الأوان لتأسيس معهد عالٍ للموسيقى، وأكاديمية للفنون المسرحية والتمثيل، ليحتويان كثيرًا من طاقات أولئك الشباب، وينميان ملكاتهم وذائقتهم الإنسانية. [email protected]