خبر يشكّل فاجعة للمجتمع، ليس الأول من نوعه قطعًا، ولكنه هذه المرة منشور على الصفحة الأولى لصحيفة محلية هي من أكثر الصحف انتشارًا في بلادنا، مفاده أن طبيبًا يعمل في مستشفى عام، وقد نسي فوطة داخل بطن مريضة، وعلى الرغم من تنبيه الممرضة له إلا أنه أصر على رأيه، ووجد -بعد التحقيق- أنه يحمل دكتوراه في الفلسفة وليس في طب النساء والولادة، ولنا أن نتصور كم عملية أجرى، وكم تكشف على عورات المسلمين وهو ليس أهلًا لذلك؟! والعجيب أن هيئة التخصصات الصحية تكشف لنا بين الحين والآخر عن أعداد من اكتشفت عدم أهليتهم بل ومن كانت شهاداتهم مزورة، ثم يمر الأمر مرور الكرام! مثل هذه الأمور يفترض الوقوف أمامها وطرح العديد من التساؤلات؛ فهي تمس المجتمع الذي يقع عليه الضرر أولًا وأخيرًا، فالمريض هو من يقع ضحيّة لمثل هؤلاء الذين تجرّدوا من الحس الإنساني لسعيهم وراء جلب المال دون التفكير في إخوانهم الذين يتلاعبون بحياتهم دون أي اعتبار للأضرار التي تنجم عن ذلك، والتي ربما تصل إلى أن تودي بحياتهم بشكل كامل. ويدور تساؤل عن اللجان التي تبرم العقود مع الأطباء وهل هي متخصصة بالفعل؟! وإذا كان الإجابة بالنفي، فكيف تمكّن ذلك المزور من تصديق شهاداته من السفارة؟! وأين العقوبة التي يفترض اتخاذها بحق من ارتكب أو شارك في مثل هذه الجرائم؟! إن الطب ليس كسائر المهن، فهو يمس حياة الإنسان بشكل مباشر، والخطأ فيه لا يمكن مقارنته بسائر الأخطاء، إذ هو من الخطورة بمكان بحيث يمكن أن يودي بحياة شخص وهو ما يعني إزهاق نفس! ومن اللافت كثرة الأخطاء الطبية في الفترة الأخيرة، وتأخر إعلان العقوبة، وعدم اطلاع المتابع عليها، ولا أتصور أن إجراء كهذا يمكن أن يوصف بالسرية، وبالتالي فإن المفترض إعلانه وبوقت مناسب حتى يعلم من تسوّل له نفسه أن هذه البلاد التي تحكّم شرع الله لا يمكن أن تتهاون مع من هانت عليه الروح البشرية وتلاشت عنده معاني الإنسانية. ويجدر الوقوف أيضًا عند مشهد ما بعد اكتشاف الجريمة، فذوي المرضى يعيشون حنقا كبيرا؛ إذ لا يرضى أحد أن يكشف أي إنسان على عورات ذويه إلا في أضيق الحدود كالطبيب مثلا، وإذا ثبت أن ذلك الشخص ليس بطبيب (فيلسوف كما هو الحالة المكتشفة) فإنه سيستشيط غضبًا وينتظر بفارغ الصبر إعلان العقوبة، والتعزير ينبغي أن يواكب حجم الجرم المرتكب، وأكرر بل وأشدد على ضرورة إعلان ذلك؛ إذ فيه إرضاء لمن وقع عليه الضرر كما أنه رادع للغير. ولا يفوتني المطالبة بإبراز العقوبات المترتبة على الأخطاء الطبية (القانون الجنائي في الإسلام) وقبل ذلك عقوبة من يثبت أنه لا يمت للطب بصلة وإعلانها في موقع الوزارة وتوقيع المُتعَاقَد معه عليها بحيث تكون مرفقة في العقد. ومتابعة أداء الأطباء سلوك حضاري، فهم في مهن حسّاسة وتتعلق بحياة البشر، وهيئة التخصصات الصحية تقوم بدور جيد في هذا المجال من خلال الاختبارات والتصنيفات وغيرها، ولكن يبقى الدور الأهم وهو متابعتهم عمليًا، وذلك من خلال وزارة الصحة وهي المعنية بصحة الناس، فهل تفعل؟!. [email protected]