سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تآكل المصداقية الأمريكية في حقوق الإنسان إن على الولايات المتحدة أن تدرك أن كثيرا من حكومات وشعوب المنطقة والعالم تدعم حقوق الإنسان وتناصرها، لكن تلك الحقوق لا يمكن فرضها بالقوة، بل بعدالة التطبيق وتجنب التوظيف السياسي لها
لم يعد هناك شك بأن قدرة الولاياتالمتحدة بالحفاظ على مكانتها كراعٍ لحقوق الإنسان في العالم بدأت في التآكل السريع لأسباب عديدة أهمها تكنولوجيا الإعلام الجديد التي أزاحت الغطاء عن كثير من الجوانب التي تمكنت الولاياتالمتحدة من كبتها لعقود طويلة مضت وذلك من خلال امتلاكها للنفوذ الإعلامي وتربعها على عرش القوة العظمى الأولى في العالم. ومن أهم تلك الجوانب توظيفها لموضوع حقوق الإنسان كسلاح ضغط سياسي، ناهيك عن تورطها نفسها في كثير من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في مناطق مختلفة من العالم بشكل يضع كثيرًا من علامات الاستفهام حول مدى امتلاكها للقاعدة الأخلاقية التي تؤهلها للحكم على الدول الأخرى بهذا الشأن. تلك الانتهاكات الصارخة لا تقتصر فقط على الماضي ممثلاً فيما فعلته في فيتنام وعدد من دول أمريكا الوسطى والجنوبية، ولكن في الحاضر أيضًا والذي كان آخر شواهده التقرير الجزئي لمجلس الشيوخ الأمريكي الذي كشف عن ارتكاب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لانتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وممارستها التعذيب الشنيع لسجناء أبو غريب وجوانتانامو، إضافة للمواقف الأمريكية السلبية تجاه الممارسات الإسرائيلية غير الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني. جميع ذلك كان يمر في الماضي مرور الكرام نتيجة تعتيم الآلة الإعلامية الغربية، وأصبح اليوم وبفضل وسائل الإعلام الجديد مكشوفًا أمام العالم أجمع لدرجة اعترفت معها إسرائيل ولأول مرة بهزيمتها إعلاميًا بعد غزوها لقطاع غزة، وما صاحبها من حملات مناهضة لذلك الغزو على شبكات التواصل الاجتماعي صدمت العالم بوحشية إسرائيل ولا إنسانيتها المدعومة بالآلة السياسية والعسكرية الأمريكية. من ناحية أخرى تمكنت الولاياتالمتحدة ولعقود طويلة مضت من جعل العالم يحكم عليها وفقًا لتعاملها فقط مع الإنسان داخل الحدود الأمريكية وليس الإنسان أينما كان. فمن المعروف أن لدى الولاياتالمتحدة أنظمة تشريعية وقضائية داخلية جيدة، تم تصويرها على أنها النظام المعياري الذي ينبغي للعالم الاقتداء به وكأنها معصومة عن الخطأ. هذا التصور تلقى أيضًا مؤخرًا ضربة موجعة من وسائل الإعلام الجديد التي نقلت للعالم أجمع المظاهرات التي خرجت في العديد من الولايات الإمريكية احتجاجًا على مقتل شاب أسود في مدينة فيرجسون، وتبرئة المدعي العام للشرطي الأبيض الذي قتله، حيث تم وصف ذلك داخليًّا وخارجيًّا على أنه حكم عنصري يفتقد للعدالة مع المواطنين الأمريكيين السود واستخدام للقوة المفرطة معهم أثناء المظاهرات. الأصوات الدولية المنتقدة لتحيز الولاياتالمتحدة واستغلالها السياسي لقضايا حقوق الإنسان تعالت بشكل متزايد خلال السنوات الماضية، بل أن الصين قامت بالرد على التقرير السنوي الأمريكي لحقوق الإنسان بإصدار تقرير سنوي مقابل يتطرق بالتفصيل للانتهاكات الأمريكية لتلك الحقوق على كافة المستويات داخل وخارج أمريكا. المتضرر الأكبر من تآكل مصداقية الموقف الأمريكي من حقوق الإنسان هو المنظمات الحقوقية الدولية التي تقع من ناحية تحت ضغط القوة الأمريكية، ومن ناحية أخرى هي بحاجة لتلك القوة لنشر تلك الحقوق في العالم. وخلاصة القول أن على الولاياتالمتحدة وعلى تلك المنظمات أن تدرك أن كثيرًا من حكومات وشعوب المنطقة والعالم تدعم حقوق الإنسان وتناصرها، لكن تلك الحقوق لا يمكن فرضها بالقوة، بل بعدالة التطبيق وتجنب التوظيف السياسي لها.