(مشيرة الكساب).. أعرف أنه مجرد اسم بين ملايين الأسماء.. لكنه اسم محفور داخل قفصي الصدري.. ففيه رائحتها، معها يُطلق على الوقت: «استعادة بهجة الحياة».. والدة الدكتور ماجد وأسامة ومنى ومي القصبي. من أجمل حسنات العمر أن تُرزق في حياتك بإنسان مثل السيّدة «مشيرة».. وهذا النوع من الأصدقاء أصبح الاختلاط بهم جزءًا من طريقتي في العيش، وعنصرًا ضروريًا يضمن لي التوازن في الحياة. تُشبعك الست «مشيرة» وعيًا، وتغمرك بالحب، تحيطك باهتمام وكأنك الإنسان الوحيد في حياتها.. تتقاسم معك في بيتها الخبز والبهجة والمعاناة.. امرأة جميلة العبارة، مليونيرة ألفاظ، وقصصها وحكاويها تسحرك وتجعلك تبحلق فيها.. شديدة الحيوية والمرح، جاهزة البديهة، سخية اليدين. سماحتها تلقائية، بسيطة جدًا وعفوية.. كتلة إنسانية بدون جشع، لها بسمة ناعمة لا تُرَى كثيرًا إلا في الأحلام.. صداقتها لنا وأحاديثها الطويلة معنا هما النقاهة الحقيقية، فمع «مشيرة» لا تعرف عالمًا واحدًا للخير والمساعدة الإنسانية، بل عدّة عوالم، وكل منها يستحق الاهتمام، ويستحق أن تحبه وتتعلم منه. الست «مشيرة» جاورت ربّها، وتحوّلت إلى ذكرى في حياتنا، بل ذكراها فرصة للتنفس في هواء هذا الزمن الصعب.. أقفر الروض ومات الزهر برحيلها. وقفتُ في العزاء وبناتها وأحفادها وصديقاتها يرون حكاياتها، كانت القصص عنها كثوب أُنهلك من كثرة الغسيل.. وأنا أستمع لبعض مكارمها ومساعدتها للمحتاج، أختلس النظر لبناتها، وجوههن الطافحة بالحزن، أحسستُ بشعور حارق بالألم، دفع بدموع خرساء إلى عيني.. استيقظتُ على مفارقة قيمة فقد «المشيرة». حاولتُ أن أصرف عني ذلك الحزن، أدرتُ ظهري لكل شيء، حتى ما جمعته من مشاعر أليمة وحزينة، وردّدتُ: (رحمك الله يا مشيرة). [email protected]