يعاني مجتمعنا العديد من المشاكل الناجمة عن تجاهل الأفراد لدورهم في تركيبة المجتمع وعدم وعيهم إلى أنهم لبنة في البناء الاجتماعي يؤدي تصدعها إلى مشاكل في البناء كله ولا يستشعر الأفراد أو يتجاهلون كونهم جزءاً من المشاكل التي تسود المجتمع عموماً ولذلك فإنهم يشرطون لإصلاح أنفسهم صلاح المجتمع أولاً وهذه رؤية عكسية تماماً للإصلاح . *** إننا ننسى حيناً ونتناسى في أغلب الأحيان أن المجتمع ما هو إلا مجموع الأفراد وبالتالي لا يمكن أن يصلح المجتمع إلا بإصلاح أفراده. فالفرد الذي يشتكي من ظاهرة الفساد الإداري واستشرائها في المجتمع وما تسببه من آثار سلبية عليه يساهم بوعي منه أو بحسن نية في استشراء الفساد، إما باستغلال منصبه فيكون فاسداً أو بدفع الرشى للآخرين فيكون مفسداً متذرعاً بأن ذلك الطريق إنما هو لتخطي الروتين وأنه الوحيد لإنجاز ما يريد وكذلك أيضاً ظاهرة الوساطة حيث ما من أحد إلا ويشكو من تأثيرها السلبي لكنك في الغالب تجد الأفراد يمارسونها بشكل كبير غير ملتفتين إلى أنهم جزء من هذه المشكلة وغير ذلك من المشاكل التي تضرب بالمجتمع. *** وحتى لا نقسو على أنفسنا فإننا جزء من مجتمع محافظ يتمسك كثيراً بتقاليده الموروثة، ولا يضيف إليها إلا ما يُرسخ هذه النظرة المتحفظة للعالم من حولنا. لذا فإن التغير في مثل هذه المجتمعات صعب .. وإذا حدث فإنه يحدث ببطء شديد. فالبشر عامة لديهم نزوع فطري للحفاظ على الوضع الراهن. وهذا هو نمط التفكير البشري طيلة الوقت. فالناس يميلون لمسايرة ما يألفونه و يعرفونه أكثر من المخاطرة بالسير نحو خيار غير مألوف و مجهول. يشعر الناس بالأمن في الإطار الذي يعيشون بداخله في مقابل خطر المجهول. فما اعتدنا عليه وعلى عمله بصفة مستمرة أصبح جزءاً من جهازنا العصبي، فلا نستطيع أن نغيره بسهولة. ومن ضمن ذلك الأفكار التي تشكل وعينا الداخلي. *** إن الفرد غالباً ما تتصارع داخله قوتان: القوة الأولى هي قوة الأمان (ما أعرفه أفضل ممن لا أعرفه)، أو العبارة الدارجة عندنا (الله لا يغير علينا) .. وتسمى هذه منطقة الراحة والأمان (Comfort Zone) وهي التي تسعى جاهدة إلى الاستقرار وتسمى أحيانا بمنطقة الموت. أما القوة الأخرى التي تتصارع بداخلنا هي القوة الديناميكية، وهي تمثل قوة التحرك والتحسن المستمر والتغيير والترقي والطموح والتطلع باستمرار إلى الجديد والتحرك من وضع الحركة لا من وضع السكون. *** وهكذا فإن أول خطوات التغيير الذي ننشده على المستوى الشخصي هو التحرر من القيود والعوائق التي تعيقك عن الرؤية الحقيقية، وغالبا ما تكون في اعتقاداتنا. التحرر من الأصنام التي صنعناها بأيدينا، الأصنام التي تعوق تفكيرنا. وهو ما سبق وناقشناه في مقال سابق. #نافذة: [[إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.]] الرعد : 11 [email protected]