لا يأكل المواطن السعودي من المطاعم كلّ يوم، وقد تمرّ عليه أسابيع دون أن يعبر لداخلها باباً، أو يدوس لها عتبة، لكنه يأكل يومياً من الخبز الذي تصنعه المخابز التجارية، في الثلاث الوجبات الرئيسة، فضلاً عن التلبيبات والتصبيرات الفرعية بينها، ولهذا فإنّ مهنة "الخبّاز" هي الأجدر بأن تُوطّن لدينا من بين حملات التوطين الجارية!. وهناك سبب آخر وجيه يجعل توطين هذه المهنة أمراً مُلِحاً، ألا وهو عدم تأهيل كثير من عُمّال المخابز الوافدين، الأمر الذي جعل أمانة جدّة - مثلاً - تُغلق مؤخراً 55 مخبزاً، وتُنذر 151 مخبزاً آخر، لإسهام عُمّالها الوافدين في سوء مستوى نظافتها، وعدم تعقيم أجهزتها، وسوء التخلص من القاذورات، وسوء المواد الغذائية الخام، وانتهاء صلاحيتها، وسوء حفظ المخبوزات، وسوء تعبئتها، وسوء نقلها، وتقريباً: سوء كلّ شيء!. أرجو ألّا يُفهم أنني ضدّ هؤلاء الوافدين، وأنني عنصري، لكن كثيراً منهم لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بمهنة الخبّاز التي هي فنّ قبل أن تكون مهنة، وما عملوا فيها إلّا اضطراراً بعد أن فشلوا في العمل بمهنهم الأصلية، وهناك منهم من خلفيته المهنية سباكة أو رعي أغنام أو حدادة وغيرها، وبعضهم متمرّسون في الغش والإضرار بالناس، وسبق أن رأيت شريطاً مصوراً في اليوتيوب لأحدهم وهو يضع يده المبلولة على جسده ثمّ يضعها في دقيق الخبز قبل عجنه، وهو يقهقه لصديقه الذي يصوّره بالجوّال!. أتمنى أن يلتفت شبابنا السعودي لهذه المهنة، ويعمل فيها، ويستعمرها أكثر ممّا عمرها الوافد، فهي شرف له، وتدرّ دخلاً جيداً فيما لو أتقنها وابتكر فيها، فمن المستغرب حقاً أن نكون من أكثر الشعوب استهلاكاً للخبز ثمّ لا نصنعه بأيدينا!. وهنا أدرك شهرزاد الصباح، وقبل أن تسكت عن الكلام المباح، بعثت لي برسالة وتس آب تقول فيها أنه يكفي مهنة الخبّاز شرفاً أنها من أوائل المهن التي عمل فيها أبونا آدم، إذ يُقال أنه عندما هبط من الجنة إلى الأرض كانت معه بذور الحنطة، فعلّمته الملائكة كيفية زراعتها وحصْدها وطحْنها وعجْنها وخبْزها، فلماذا هي صنعته منبوذة لدينا؟ أليس هو أبانا كما هو أبو الشعوب التي تخبز وتأكل ممّا تخبز؟ ألا نعرف المثل المكّي الذي يقول: صنعة أبوك لا الناس يغلبوك؟ وقد غلبنا الوافدون عليها غُلْباً مُبيناً!. @T_algashgari [email protected]