سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العراق.. تراجيديا الغالب والمغلوب لن تخرج العراق من مستنقع الصراعات وتنعم بالاستقرار إلا إذا قامت بأمره حكومة وفاق وطنية (غير طائفية) ترى الألوان كلها بمنظار واحد. وإلا فستظل العراق مسرحًا لانتقام الغالب من المغلوب
العراق أو بلاد الرافدَين (دجلة والفرات) تُعد من أقدم البلدان التي عرفتِ الحضارةُ طريقَها إليها، وازدهرت فيها منذ ما يقرب من (4000) سنة قبل الميلاد. تاريخ العراق حافل بالعديد من الصراعات التي صاحبت قيام أو سقوط الممالك والدول التي تعاقبت عليها. ولا يمكن في هذه المساحة الإحاطة بتفاصيل الصراعات التي شهدتها العراق عبر التاريخ؛ كونها من الكثرة والجسامة ما تعجز عنه مئات المقالات، فضلًا عن مقالة واحدة. غير أنه يمكننا التوقف قليلًا عند بعض المحطات في محاولة للتعرُّف على سببية الصراعات التي تناوشتِ العراق منذ (1400) سنة تقريبًا ولا تزال. يعلم الجميع أن العراق دخلتِ الإسلام منذ فتْحِها وبلادِ فارس زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنعمت كبقية الأمصار الإسلامية بالأمن والعدل في ظل الخلافة الراشدة حتى مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حينها انقسم المسلمون إلى فريقين: فريق مؤيد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وآخر مؤيد لمعاوية رضي الله عنه. من تلك اللحظة التاريخية المفصلية يمكننا القول إن العراق انقسمت إلى فسطاطين متضادين، فدخلت في نفق طويل مظلم من الصراعات الطائفية. لن نتوقف عند الصراعات الطائفية التي شهدها العراق بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان مرورًا بدولة بني أمية وقمع الحَجاج للعراقيين، مرورًا بحالة الاستقرار النسبي زمن الدولة العباسية، وما تلا ذلك من الاحتلال المغولي للعراق ثم دخولها في دولة العثمانيين، ثم الاحتلال الإنجليزي، ثم الحكم الملكي. لكننا سنتوقف عند العصر الحديث (العهد الرئاسي) الذي بدأ بسقوط الحكم الملكي، وبالأخص عند تولي البعثيين مقاليد رئاسة العراق بدءًا ب"البكر" ثم "صدام" سنة (1979م). كما ذكرتُ آنفًا فالعراق شهدت حالة غليان بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، أججها الانتماء الطائفي المتشكل حديثًا، ونتج عنه عدة معارك بين أنصار الفسطاطين حتى استقر الأمر للدولة الأموية، ثم هاهي الصراعات -في العصر الحديث- تعود بشكل أشد طائفية ودموية. برأيي فإن سببية ذلك تعود إلى ثلاثة عوامل رئيسة: الأول- قيام الثورة الخمينية. الثاني- القمع والاستبداد الذي مارسه "صدام حسين" على العراقيين عامة والشيعة خاصة. الثالث- القمع والاستبداد الذي يمارسه "المالكي" على السنة خاصة. قيام الثورة الخمينية أيقظ نار الطائفية وغذَّاها مما جعل المنتسبين للتشيع في العراق يعاودون الظهور بقوة عندما وجدوا لهم ظهيرًا يؤمن بمذهبهم ويتبنى الدفاع عنه والعمل لأجله، وهو ما جعل العراق يشهد حالات مد وجزر بين المنتسبين للتشيع والحكومة العراقية نشأ عنها بعض الاضطرابات خاصة في عهد الرئيس السابق (صدام) الذي مارس دكتاتوريته بحق العراقيين والشيعة بصفة خاصة. وهو إنْ أسكت الغالبية وألزمهم طاعته فإن تلك الديكتاتورية بذرت في الشعب -وخاصة الشيعة- حالة من الغبن تتفجر حينًا، وتظل أحايين أخرى كامنة، حتى دخل المحتلُّ الأمريكي العراقَ فتكشَّفت النوايا. وعندما مكَّن المحتلُّ الأمريكيُّ إيرانَ من العراق ونصَّب "المالكي" رئيسًا لها قام بما قام به صدام، وزاد عليه أن جعل دكتاتوريته تنصبُّ على السُّنَّة وحدهم، مما ولَّد لديهم غِلًّا على حكومة المالكي تفجر مع ما تشهده العراق هذه الأيام من أحداث دامية. وبعد.. فلن تخرج العراق من مستنقع الصراعات وتنعم بالاستقرار إلا بأمور منها: أولًا- أن يؤمن الشعب العراقي بوحدته وإن تعددت طوائفه. ثانيًا- أن يطرح ولاءاته الخارجية وخاصة لإيران. ثالثًا- أن يقوم بأمره حكومة وفاق وطنية (غير طائفية) ترى الألوان كلها بمنظار واحد. وإلا فستظل العراق مسرحًا لانتقام الغالب من المغلوب، حتى إذا ما تمكن المغلوب سدَّد الدَّين للغالب، في مشهد تراجيدي مستمر يسر الشامتِين. [email protected] [email protected]