احنا بدينا .. بالسلام ردت الدنيا علينا .. بالسلام ياسلام .. ياسلام .. ياسلام .. ياسلام هذه الكلمات هي مدخل أغنية (بالسلام احنا بدينا) التي غنتها السيدة أم كلثوم في أوائل الستينيات وهي من كلمات بيرم التونسي، وألحان الموسيقار: محمد الموجي أنشدتها أخيراً الفنانة ياسمين علي في دار الأوبرا المصرية (22 مايو 2014) مع عدد آخر من أغاني سيدة الغناء العربي الوطنية والرومانسية. *** أغنية (بالسلام احنا بدينا) لم تكن مجرد أغنية عادية ضمن الأغاني الكثيرة التي غنتها سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم. بل كانت واحدة من أكثر من 40 عملاً غنائياً وطنياً قدمتها كوكب الشرق في مناسبات وطنية مختلفة وكان أول تلك الاعمال لحن (نصرة قوية) ضمن احداث فيلم فاطمة عام 1947 من نظم بيرم التونسي وألحان الشيخ زكريا احمد، وغنت عام 1951 قصيدة (مصر تتحدث عن نفسها) لحافظ إبراهيم. ولما قامت ثورة مصر في 23 يوليو عام 1952 عبرت عن تأييدها للثورة بأغنيات تحيي فيها الحركة الوطنية وعندما وقعت اتفاقية الجلاء شاركت الشعب فرحته الكبرى بزوال كابوس الاحتلال فغنت أكثر من أغنية لهذه المناسبة، وغيرها كثير من الأغاني الوطنية الخالدة. *** أما أغنية (بالسلام احنا بدينا) فقد غنتها السيدة أم كلثوم أمام الرئيس جمال عبدالناصر بمناسبة سفره إلى الولاياتالمتحدة تلبية لجهود السلام التي أطلقتها الولاياتالمتحدة واستجاب لها الزعيم المصري، وأذيعت في مارس 1963. ويسرد الكاتب وجيه ندى المؤرخ والباحث في التراث الفني عدداً آخر من الأغاني الوطنية التي غنتها سيدة الغناء العربي مثل انشودة الجلاء (يا مصر ان الحق جاء) وكان اللحن بمناسبة جلاء الانجليز عن مصر 1954، وأغنية (يا جمال يا مثال الوطنية) بعد اعتداء الإخوان على الرئيس المصري في ميدان المنشية بالإسكندرية. وأثناء العدوان الثلاثي على بور سعيد غنت (والله زمان يا سلاحي – اشتقت لك بكفاحي)، ولما قامت حرب 1967 غنت (انا فدائيون – كشف النقاب عن الوجوه الغابرة)، وفى حرب الاستنزاف سنة 1969 أنشدت (أصبح عندي الآن بندقية) من شعر نزار قباني، و غنت ايضاً انشودة مصر – أجل إن ذا يوم لمن يفتدى مصر وغنتها فى 4 يوليو 1969 .. وغير ذلك من الأغاني الوطنية. *** مجمل القول إن الأغاني الوطنية لم تكن لمجرد الطرب والغناء ولكنها كانت توظف لخدمة سياسات الدولة وتهيئة المواطن لتقبل سياسات معينة تُمهد لها الدولة من خلال بث الروح الوطنية والمعاني المراد إيصالها للناس وتجييشهم حتى تجد السياسة الدعم المطلوب عند خروجها للنور. ومن الملاحظ أن الأغنية الوطنية ترتبط عضوياً بنبض الوطن في أي بلد من بلدان العالم، فتزدهر مع ازدهار الروح الوطنية وتنحسر مع انحسارها، ولكنها تضمر في كل الأحوال مع هيمنة الفساد والاستبداد وإهمال أحوال البلاد بحيث يعتقد "رجل الشارع" بأن الوطن أهمله وأن من الواجب رد خيار الإهمال بالإهمال. *** وما تشهده مصر اليوم، بعد ثورتي 25 يناير، و30 يونيو من اشتعال الشارع بالحماس وعودة الأغنية الوطنية أخاله بداية لروح جديدة في الشارع المصري. ما يبقى، وما هو مطلوب، هو أن يُترجم نبض وحماس الشارع من إطلاق الأغاني .. إلى إطلاق العمل من أجل بناء مستقبل الأجيال التي تضع أملاً كبيراً على أن يكون المستقبل أكثر إشراقاً من الماضي. نافذة صغيرة: [[فوق هام السحب وان كنتي ثرى ** فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى مجدك لقدام وأمجادك ورى ** وان حكى فيك حسادك ترى ما درينا بهرج حسادك ابد انت ما مثلك بها الدنيا بلد والله ** ما مثلك بها الدنيا بلد]] بدر بن عبدالمحسن [email protected]