سيدي.. وكأنك اعتقدت بحكم وصايتك وولايتك عليَّ أنك امتلكت حق الوثب والتقافز فوق رأسي، وبات لديك كل الحق أن تتخطى ذاتي وكينونتي.. لا يا سيدي.. لا تدع ذاك الحلم يسيطر عليك، فتصدّقه. عقلك الذي لم يكن يجيد سوى الثرثرة بالحقوق والواجبات، التي اعتقدت أني طوعًا أو كرهًا ينبغي عليَّ أن أقدّمها بين يديك فوق بساط عالمك مكنني يومًا ما -وبامتياز- من أن أقرأ جيدًا معالم شخصيتك المتوثبة لكل ما له علاقة بالسطو والاستلاب. كنتُ أسمع مَن حولي يقول إن الحياة الزوجية تشارُكٌ بين الرجل والمرأة، هذا ما أدركته في بيت والدي، وهذا ما تعلمته.. ولكن اعلم يا سيدي أنك لست كوالدي أبدًا. ألم تخجل من أنك كرجل وصيٍّ ووليٍّ عليَّ لم تكن سوى عبءٍ أثقل كاهلي، فلم أعد أعلم أيُّنا الوصيُّ على الآخر، وأيُّنا المسؤول عن حماية الآخر، بل لم أعد أعلم أيُّنا الرجل.. أنت أم أنا؟! أتعلم يا سيدي أننا سويًا ضحايا تربية المثالية، وتربية التسلّط، وأن هناك الكثير من القصص التي تبدأ خيوطها خلف الجدران، بعضها ينبض بالحياة، والبعض الآخر منها استسلم لواقعه المرير، ولم يعد يقوى حتى على كسر حواجز الصمت، فتنازعته أعباء سطوة الآخر، ورغبته في التملّك ثم رمت به آخر المطاف في قاع الذل بلا هوادة ولا رحمة. نفسك التي تأبى إلاّ أن تكون هي الكل في الكل، ولا أحد سواها قد تستنكر خروجي عن صمتي والوقوف في وجهك، والتصريح بعلو صوتي سواء قبلت هذه الحقيقة أم لم تقبلها.. أن الأدوار في ظل وصايتك قد تبدلت، وأني بين ليلة وضحاها بتُّ الرجل والمرأة في آنٍ واحد.. فقد خلقت من ضعفي قوة، وأنت لا تعلم. قبل أن تنزلق آدميتي تحت أقدام وصايتك المزعومة، وترمي بها فوق موانئ التجاهل، قررت -وبكامل إرادتي- أن أستقل بذاتي، وأشتري حريتي وأنأى بنفسي بعيدًا عنك إلى عالم بنيته لنفسي، ولا تعتقد أني بهذا قد تحللت من كل القيم والقوانين والمبادئ التي تربيت عليها في بيت والدي.. لا يا سيدي.. أنا فقط وأمام عينيك انتزعت ذاتي من تحت عباءتك ووضعتها في المكان الذي يليق بها. [email protected]