توجد في بلادنا كفاءات كبيرة في مجالات متعدّدة أهمّها مجال الطب ، ومعظم هذه الكفاءات تم الصرّف عليها وتأهيلها خارج البلاد .. هؤلاء الأطبّاء الذين عادوا إلى بلادهم بعد إنهاء فترات دراساتهم وحصولهم على تخصُّصات ممتازة في مجالات مختلفة ، بعضها نادرٌ، عملوا بجدّ بعد عودتهم وثبتت جدارتهم وقدراتهم ، ومع الأسف ما إن يصل هؤلاء إلى سنّ التقاعد بعد فترة من الوقت طالت أو قصرت حتى يتم التفريط فيهم بإحالتهم إلى التقاعد ، وإحلال أطبّاء جدد من غير ذوي الخبرة مكانهم ، وبعضهم أجانب ، وذلك لعدم توفّر العدد الكافي من الأطبّاء المواطنين. من المؤسف أن يتمّ التفريط بأصحاب الكفاءات من ذوي الخبرات والتخصّصات الثمينة ، وممّن أصبحت لهم سمعة طيّبة في الداخل والخارج ، وبين هؤلاء أساتذة مرموقون في كليّات الطبّ المختلفة ومتخصّصون في أرقى جامعات العالم بحجة بلوغهم سن التقاعد القانونية ... !! مع الأسف التضحية بهذه الكفاءات تأتي فقط من أجل تثبيت فكرة نظام روتيني لا يعتبر الخبرات ..ولا يقدّر الكفاءات . في بلاد العالم الراقية توجد استثناءات في مسألة التقاعد عند سنٍّ معيّنة ؛ فالأطبّاء والعلماء والباحثون يواصلون أعمالهم في الجامعات حتى سنّ متقدّمة ؛ لأنّهم هناك يعتمدون على نظريّة أنّه مادام الفرد مؤهلاً تأهيلاً علميًّا مهمًّا يُستفاد منه ، فيجب الاستفادة منه ،ومن طاقاته وقدراته دون اعتبار للسنّ التي يصل إليها ،أمّا عندنا وفي جامعاتنا كلها فالتخصّصات النّادرة أو التي تحتاجها الجامعات ، والكفاءات التي يمكن الاستفادة منها في إنشاء أجيال جديدة من الأطبّاء المؤهّلين وغيرهم من ذوي الكفاءات المختلفة يتم استبعادها والتخلّص منها بمجرّد بلوغ سنّ التّقاعد،الّتي هي في الواقع ليست دليلاً على العجز العلمي أو الذّهني، أوعلى انتهاء قدرات الفرد العامل في مجال حيوي . كثيرٌ من أطبّائنا المتقاعدين يعيشون في بيوتهم دون عمل ، وقد يمارسُ بعضهم عملاً جزئيّا في المستشفيات الخاصّة أو العيادات .. وفي ذلك خسارة كبيرة للمجتمع ، وإهدارٌ لخبرات طويلة وثمينة في مجالات تخصّصيّة هامة. إن كان لابدّ من الاستغناء عن جهود هؤلاء الأطبّاء في مجال الممارسة الطبّيّة ، فبالإمكان الاستفادة منهم في مجال التدريس ، وتدريب الأطبّاء الجدد بدلاً من عزلهم ، وإحضار أساتذة أقلّ خبرة وعلمًا منهم من خارج البلاد. يمكن كذلك الاستفادة منهم في جوانب أخرى .. وذلك في مراكز البحوث الطبّية والعلميّة المتخصّصة ،التي تقوم بتطوير البحوث، واكتشاف كلّ ماهو جديد في علم الأمراض والعلاجات الحديثة ، كما هو الحال في بلدان العالم المتقدّم . القصد مما كتبته هوالمصلحة العامة ، من أجل وطنٍ نحبّه ونتمنى له كلّ الخير.