المعتاد في الكثير من دول العالم المتقدمة منها والأخرى حديثة العهد بالتنمية ، أنها تستعين بخبرات عالمية من ذوي التخصصات المطلوبة والدقيقة وكذا الكفاءات في شتى المجالات طالما ترى أنها تضيف إلى تطورها .. فهكذا تفعل أمريكا ودول أوروبا وهو ما نعرفه بهجرة العقول ، وقد جاء ذلك على حساب الدول الأخرى التي هاجرت منها . والجانب الآخر لسياسة التنمية بالنسبة للقوى البشرية هو حرصها على الاستفادة من خبرات الكثير من المتقاعدين باعتبارهم خبراء ويتيحون أمامهم مجالات جيدة كمستشارين في تخصصاتهم لأنها خبرات صاغتها سنوات العمل والمسؤولية والعلوم خاصة في المجالات التقنية والتخطيط والإدارة وكباحثين وأكاديميين غير متفرغين . نحن نحتاج إلى هذا التوازن بين الاهتمام والتركيز على توظيف الخريجين والشباب وبين أهمية الاستفادة من الخبراء المتقاعدين في شتى المجالات سواء للدولة وهي الأقدر على تقدير حاجتها لأبنائها ذوي الخبرات الكبيرة في العديد من قطاعاتها وهم عادة معروفون ومشهود لهم ، ولا يحول بينهم وبين استمرار العطاء سوى سن التقاعد ، وكذلك في القطاع الخاص بدرجة أوسع خاصة أنه يستعين بخبرات وافدة هم في سن متقاعدين ويدفع لهم مرتبات مجزية . ونحمد الله العلي القدير أن حكومتنا الرشيدة قد بذلت كل غالٍ ونفيس لتمكن مواطني هذه البلاد العزيزة من الوصول إلى أعلى درجات العلم والتعليم للقيام بما تتطلبه حاجة البلاد في كافة مجالات الحياة العصرية التي يعيشها العالم الحديث . وبهذه الكوادر البشرية المؤهلة علماً تم بفضل من الله الاكتفاء الذاتي الوطني والاستغناء عن كثير من الخبرات الأجنبية . وباعتبار أن من ضمن من يتم إحالتهم إلى التقاعد بمقتضى النظام هم الخبراء في بعض المجالات فيجب الاستعانة بهم بدلاً من الوافدين من بعض الدول الأجنبية ، طالما يمكنهم ذلك فلماذا لا تنطبق عليهم أنظمة الاستثناء أسوة ببعض المناصب التي تجيز ذلك للاستفادة من خبراتهم في الأعمال التي كانوا يتولونها لسنوات طويلة من عمرهم في الوظيفة والحياة . فمن الملاحظ أن التركيز على قضية البطالة أخذ أبعاداً مختلفة وصلت حد فتح الباب واسعاً أمام التقاعد المبكر وأخشى أن ينتج عن ذلك خسارة كبيرة للكفاءات البشرية الوطنية بدعوى الإسراع بحل مشكلة البطالة التي بدورها لها حلول أخرى منها الإحلال وتوطين الوظائف وتوسيع الاستثمارات الخاصة والمشاريع والتوسع التنموي الذي يأخذ في الحسبان توظيف أبنائنا مقابل الحوافز والتشجيع الواضح من جانب الدولة . وإذا كان التقاعد المبكر حقاً متاحاً وفق نظام محدد فإن الكفاءات أو الخبراء لابد من تشجيعهم على الاستمرار في العمل والاستعانة بهم بعد تقاعدهم نظامياً بالتمديد أو التقاعد معهم في قطاعات حكومية أخرى وفي القطاع الخاص . إن الخبرات لا تتقاعد وإن تقاعد أصحابها نظامياً ، طالما ظلوا قادرين على العطاء وبذل الخبرة لصالح وطنهم ، وصحيح أن سن الستين هو السن النظامي للتقاعد لاعتبارات عديدة اتفقت عليها أنظمة العمل عالميا ، لكن لابد من استثناءات تتيحها الأنظمة نفسها لدينا باستمرار عطاء من لديهم تميز الخبرة والقدرة ، لأنهم رصيد ثمين للتنمية والوطن . وإنني أتقدم بهذا الرأي المخلص إلى صاحب المعالي وزير الخدمة المدنية بمملكتنا العزيزة للدراسة ، لإضافته إلى مواد نظام الخدمة المدنية إذا قوبل بالاستحسان لهذه الفئة من الذين يحالون إلى التقاعد بمقتضى النظام للاستفادة من خبراتهم والاستغناء عن استقدام خلف لهم من خبراء الدول الأخرى، والله الموفق. عبد الله إبراهيم السقاط مكة المكرمة