مع اقتراب موسم الحصاد للبعثات الخارجية، والدارسين في الجامعات المحلية، يبدأ مشوار البحث عن فرص العمل للخريجين والخريجات، وإذا تهاونّا في توفير تلك الفرص فستكون العواقب مؤلمة ومخيّبة للآمال لهؤلاء الخريجين والخريجات. الملحقيات الثقافية في كندا وأمريكا وبريطانيا ودول أخرى، تحتفل في كل عام بتخريج دفعات جديدة بالمئات في تخصصات مهمة يحتاج لها سوق العمل أو هكذا يُقال. هذا بالإضافة لما تزفّه لنا الجامعات المحلية. أخبار التخرج تنبئ عن نجاح الخطة وجدية الطلاب والطالبات في التحصيل العلمي والعودة إلى وطنهم؛ وهم يحملون المؤهل والأماني بحياة أفضل في وطنهم وبين أهليهم وفاءً للعهد، وحبًّا في العطاء والمشاركة في نهضة الوطن. الاستثمار المادي والمعنوي في مشروع خادم الحرمين للابتعاث الخارجي -الفريد من نوعه- يجب أن يتوج بنتائج ميدانية مثمرة تنعكس على مستوى الأداء، وتعزز الاعتماد على أبناء وبنات البلد بدلاً من الاستمرار في الاتكال على استيراد الخبرات والأيدي العاملة من خارج الحدود. فتور حملة التصحيح وتجاهل التجاوزات -من قِبَل وزارة العمل- من ناحية، والتحايل على الأنظمة -من قِبَل البعض- من ناحية أخرى، من خلال التستر والعمل خلف الأبواب المغلقة بدون تصاريح وسجلات تجارية -مثل الدعاية والإعلان وغيرها- في ميدان القطاع الخاص؛ لا يساعد على تلبية طلبات التوظيف لأبناء البلد في حقل تخصصاتهم الأكاديمية. والحذر -كل الحذر- من اضطرار بعض الكفاءات -النادرة والمتميزة- من الهجرة أو البقاء في الدول التي ابتعثوا إليها بعد التخرج في حالة إهمالهم وعدم تمكينهم من مواصلة العمل في نفس التخصصات التي اجتازوا مراحلها الأكاديمية بامتياز. العقول المبدعة لا يمكن كبتها، ولن تتردد في البحث عن الأفضل.. ولا أحد يستطيع إيقاف ذلك إلاّ بالبديل الأحسن. وإذا كنّا نتحدث اليوم عن حالة أو حالتين اختارت البقاء في موطن تخرجها، فمن المحتمل أن نواجه أعدادًا أكبر إذا أهملنا الاهتمام بالخريجين في التخصصات النادرة. وزارة الصحة والجامعات على وجه الخصوص يجب أن تهتم بكل المبتعثين من قِبَلها، وتتابع تحصيلهم العلمي -كما تفعل شركة أرامكو- ويكون لديها الخطط الكفيلة لاستيعابهم فور تخرجهم وعودتهم للمملكة؛ بدون تعقيدات روتينية. في مجال حملة التصحيح من قِبَل وزارة العمل، يبدو أن الوزارة تنهي مهام المستوى الأول، وهو إبعاد كل مخالف من سوق العمل بما في ذلك الهاربون من كفلائهم.. وما يُسمّى بالتوظيف الوهمي، وتوظيف أصحاب الاحتياجات الخاصة، والتهديد بالسجن لمدة خمس سنوات، وفرض غرامات مالية تصل إلى عشرة ملايين ريال لمن تثبت مخالفته، من الأمور التي تُعزِّز مقولة: إن السوق السعودية طاردة لممارسة الأعمال الحرة، وتُحفِّز على الهروب للاستثمار في الأسواق المجاورة، بدلاً من المشاركة في قنوات الاقتصاد المحلي. توظيف مثل هذه العمالة السعودية وتسجيلهم في مكتب العمل ودفع رواتب شهرية وضمهم للتأمينات الاجتماعية يُحقِّق نسبة من نظامية توظيفهم، طالما أن الأطراف المعنية -الموظف وصاحب العمل- ارتضت ذلك، بدلاً من إبقائهم في سجلات البطالة. مراجعة أنظمة العمل وسد الثغرات باستحداث أنظمة جديدة من الأمور الهامة، ولكن ينبغي التشاور والحوار مع القطاع الخاص لتحقيق أكبر قدر من التوافق، ليكون الكل في اتجاه واحد ومتعاون في تطبيق الأنظمة؛ بدلاً من إصدار أنظمة بمعزل عن واقع البيئة التي ستُنفّذ فيها. كما أن على وزارة العمل التفكير الجدي في السماح بإيجاد نقابات عمالية حتى لا يبقى العامل متلقي بدون أن يشارك برأيه في مصدر معيشته، وفي رأيي أن أي أنظمة تُسن من قِبَل وزارة العمل لن تكتمل أركانها، ما لم يكن للعامل أو الموظف من ناحية، و»جهة عمله» من ناحيةٍ أخرى رأي فيها قبل صدروها. [email protected]